[فَصْلُ أَخَذَ الْخَوَارِج وَالْبُغَاة الزَّكَاة]
(١٧٦٣) فَصْلٌ: إذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ وَالْبُغَاةُ الزَّكَاةَ، أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، فِي الْخَوَارِجِ، أَنَّهُ يُجْزِئُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَخَذَهَا مِنْ السَّلَاطِينِ، أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا، سَوَاءٌ عَدَلَ فِيهَا أَوْ جَارَ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا قَهْرًا أَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ اخْتِيَارًا. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: سَأَلْت سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنَ عُمَرَ وَجَابِرًا وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقُلْت: هَذَا السُّلْطَانُ يَصْنَعُ مَا تَرَوْنَ، أَفَأَدْفَعُ إلَيْهِمْ زَكَاتِي؟ فَقَالُوا كُلُّهُمْ: نَعَمْ
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ يُجْزِئُ عَنْك مَا أَخَذَ مِنْك الْعَشَّارُونَ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى نَجْدَةَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُصَدِّقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُصَدِّقِ نَجْدَةَ، فَقَالَ: إلَى أَيِّهِمَا دَفَعْت أَجْزَأَ عَنْك. وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِيمَا غُلِبُوا عَلَيْهِ. وَقَالُوا: إذَا مَرَّ عَلَى الْخَوَارِجِ فَعَشَّرُوهُ، لَا يُجْزِئُ عَنْ زَكَاتِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْخَوَارِجِ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ: عَلَى مَنْ أَخَذُوا مِنْهُ الْإِعَادَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَئِمَّةٍ، فَأَشْبَهُوا قُطَّاعَ الطَّرِيقِ.
وَلَنَا، قَوْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي عَصْرِهِمْ عَلِمْنَاهُ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى أَهْلِ الْوِلَايَةِ، فَأَشْبَهَ دَفْعَهَا إلَى أَهْلِ الْبَغْيِ.
[فَصْلُ دُعَاء دَافِع الزَّكَاة وَدُعَاء الْآخِذ لَهَا]
(١٧٦٤) فَصْلٌ: وَإِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى التَّوْفِيقِ لِأَدَائِهَا. فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْآخِذِ أَنْ يَدْعُوَ لِصَاحِبِهَا فَيَقُولَ آجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَنْقَقْت، وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا.
وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ إلَى السَّاعِي، أَوْ الْإِمَامِ شَكَرَهُ وَدَعَا لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] . «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ. فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالصَّلَاةُ هَاهُنَا الدُّعَاءُ وَالتَّبْرِيكُ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، قَالَ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالدُّعَاءِ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَالنَّائِبُ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute