وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَهَا، فَأَشْبَهَ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَامْرَأَتِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا فُرْقَةٌ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَاجِبِ لَهَا عَلَيْهِ أَشْبَهَتْ فُرْقَةَ الْعُنَّةِ. فَأَمَّا إنْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الطَّلَاقِ، فَطَلَّقَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ رَاجَعَهَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْقَاقِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ، فَطَلَبْت الْمَرْأَةُ الْفَسْخَ، فَلِلْحَاكِمِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهُ بَاقٍ، أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ.
[فَصْلٌ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ عُسْرَتِهِ أَوْ تَرْكِ إنْفَاقِهِ ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ]
(٦٤٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ عُسْرَتِهِ أَوْ تَرْكِ إنْفَاقِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ، أَوْ تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا عَالِمَةً بِحَالِهِ، رَاضِيَةً بِعُسْرَتِهِ، وَتَرْكِ إنْفَاقِهِ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَنَّ لَهَا الْفَسْخُ، فَلَهَا ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِعَيْبِهِ، وَدَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عَالِمَةً بِهِ، فَلَمْ تَمْلِكْ الْفَسْخَ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا. عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ، أَوْ قَالَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ: قَدْ رَضِيت بِهِ عِنِّينًا.
وَلَنَا، أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَيَتَجَدَّدُ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ حَقِّهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا، كَإِسْقَاطِ شُفْعَتِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْ، النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَسْقُطْ، وَلَوْ أَسْقَطَتْهَا أَوْ أَسْقَطَتْ الْمَهْرَ قَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهَا، لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ الثَّابِتُ بِهِ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ، وَقُلْنَا: لَهَا الْفَسْخُ لِإِعْسَارِهِ بِهِ. فَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْهُ، عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ، رَاضِيَةً بِذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَمْلِكَ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَوْ أَسْقَطَتْهُ فِيهِ سَقَطَ. (٦٤٧٨) فَصْلٌ: إذَا رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا تَسْلِيمُهُ، كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا، لِتَكْتَسِبَ لَهَا، وَتُحَصِّلَ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فِي حَبْسِهَا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ إضْرَارًا بِهَا.
وَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسهَا إذَا كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ، وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، وَلِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، فَإِذَا انْتَفَى الْأَمْرَانِ، لَمْ يَمْلِكْ حَبْسِهَا.
[فَصْلٌ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ لِامْرَأَتِهِ مُدَّةً]
(٦٤٧٩) فَصْلٌ: وَمَنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ لَامْرَأَته مُدَّةً، لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ، وَكَانَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لَعُذْرٍ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute