للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ وُجُودِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ، أَحْضَرَهُ الْحَاكِمُ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْحَقِّ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ، أَلْزَمَهُ بِهِ، وَتَخَلَّصَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ، وَقَفَ الْحُكْمَ، وَيَكْتُبُ إلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبُ يُعْلِمُهُ الْحَالَ، وَمَا وَقَعَ مِنْ الْإِشْكَالِ، حَتَّى يُحْضِرَ الشَّاهِدَيْنِ، فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا.

وَإِنْ ادَّعَى الْمُسَمَّى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَقَدْ مَاتَ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ وُقُوعِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي وَقَعَ الْحُكْمُ بِهَا، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، أَوْ الْمَحْكُومُ لَهُ، لَمْ يَقَعْ إشْكَالٌ، وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ، أَوْ بَعْدَ الْمُعَامَلَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ أَمْكَنَ أَنْ تَجْرِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ مُعَامَلَةٌ، فَقَدْ وَقَعَ الْإِشْكَالُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى الَّذِي مَاتَ.

[فَصْلٌ إذَا كَتَبَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بِدِينِ]

(٨٢٧٩) فَصْلٌ: وَإِذَا كَتَبَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ بَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ بِدَيْنٍ، جَازَ، وَحَكَمَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا؛ كَعَقَارٍ مَحْدُودٍ، أَوْ عَيْنٍ مَشْهُودَةٍ، لَا تَشْتَبِهُ بِغَيْرِهَا، كَعَبْدٍ مَعْرُوفٍ مَشْهُورٍ، أَوْ دَابَّةٍ كَذَلِكَ، حَكَمَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَيْضًا، وَأُلْزِمَ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِالصِّفَةِ، كَعَبْدٍ غَيْرِ مَشْهُودٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِالْوَصْفِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَقْبَلُ كِتَابَهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكْفِي، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ لِرَجُلٍ بِالْوَصْفِ وَالتَّحْلِيَةِ، كَذَلِكَ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَالثَّانِي، يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِالْعَقْدِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَيُخَالِفُ الْمَشْهُودَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فِيهِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ، وَلِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَثْبُتُ بِالصِّفَةِ وَالتَّحْلِيَةِ، فَكَذَلِكَ الْمَشْهُودُ بِهِ.

فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، يَنْفُذُ الْعَيْنَ مَخْتُومَةً، وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ خَتَمَ فِي عُنُقِهِ، وَبَعَثَهُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ، لِيَشْهَدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ، دُفِعَ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى عَيْنِهِ، أَوْ قَالَ: الْمَشْهُودُ بِهِ غَيْرُ هَذَا. وَجَبَ عَلَى آخِذِهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَغْصُوبِ فِي ضَمَانِهِ، وَضَمَانِ نَقْصِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، فَيَلْزَمُهُ أَجْرُهُ إنْ كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ، إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ.

[فَصْلٌ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَكْتُبُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ حَكَمَ بِهِ]

(٨٢٨٠) فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَوْفَى الْحَقَّ مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ: اُكْتُبْ لِي مَحْضَرًا بِمَا جَرَى؛ لِئَلَّا يَلْقَانِي خَصْمِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَيُطَالِبَنِي بِهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ؛ لِيَخْلُصَ مِنْ الْمَحْذُورِ الَّذِي يَخَافُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>