وَقَالَ فِي الْأُخْرَى: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا قِصَاصَ. وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لَهُ الْقِصَاصُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] . وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ، فَلَهُ نِصْفُهَا؛ لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَلَعَهَا غَيْرُهُ لَمْ يَجِبْ فِيهَا إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُهَا، كَالْعَيْنِ الْأُخْرَى. وَلَنَا، أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا بِمِثْلِ مَذْهَبِنَا، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
[فَصْل قَلَعَ الْأَعْوَر عَيْنِي صَحِيح الْعَيْنَيْنِ]
(٦٩٠٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَيْ صَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دِيَةٌ، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ دِيَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا فِي الْعَيْنِ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا قَلَعَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ، وَالْأُخْرَى فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ أَعْوَرَ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» .
وَلِأَنَّهُ قَلَعَ عَيْنَيْنِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثُرُ مِنْ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَالِعُ صَحِيحًا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي إحْدَى عَيْنَيْهِ لَا يَجْعَلُ الْأُخْرَى عَيْنَ أَعْوَرَ، عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ بِقَلْعِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ قَضِيَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، صِرْنَا إلَيْهَا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا، فَفِيمَا عَدَا مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ، يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَالْبَقَاءُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ قَلَعَهُمَا عَمْدًا، فَاخْتَارَ الْقِصَاصَ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَلْعُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ بَصَرَهُ كُلَّهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ إذْهَابِ بَصَرِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَضَاءِ الصَّحَابَةِ أَنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنَيْنِ.
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ الْعَيْنِ، وَنِصْفَ الدِّيَةِ لِلْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ قَطَعَ يَد أَقْطَع أَوْ رَجُل أَقْطَع الرَّجُل]
(٦٩٠٤) فَصْل: وَإِنْ قَطَعَ يَدَ أَقْطَعَ، أَوْ رِجْلَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ، فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَوْ الْقِصَاصُ مِنْ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ مِنْ مِثْلِهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ دِيَةُ مِثْلِهِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَ مَنْ لَهُ أُذُنٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الْأُولَى إنْ كَانَتْ قُطِعَتْ ظُلْمًا وَأَخَذَ دِيَتَهَا، أَوْ قُطِعَتْ قِصَاصًا، فَفِيهَا نِصْفُ دِيَتِهَا، وَإِنْ قُطِعَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَفِي الْبَاقِيَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَ مَنَافِعَهُ مِنْ الْعُضْوَيْنِ جُمْلَةً، فَأَشْبَهَ قَلْعَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ الْعُضْوَيْنِ اللَّذَيْنِ تَحْصُلُ بِهِمَا مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُضْوَيْنِ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى أُخِذَتْ قِصَاصًا، أَوْ فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى عَيْنِ الْأَعْوَرِ لَوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute