للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ. وَصِفَةُ تَقْلِيبِ الرِّدَاءِ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ، وَمَا عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَمَالِكٍ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُول بِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ جَعَلَ الْعِطَافَ الَّذِي عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَاَلَّذِي عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَالزِّيَادَةُ الَّتِي نَقَلُوهَا، إنْ ثَبَتَتْ، فَهِيَ ظَنُّ الرَّاوِي، لَا يُتْرَكُ لَهَا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَقَلَ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ جَمَاعَةٌ، لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِثِقَلِ الرِّدَاءِ.

[فَصْلٌ رَفَعَ الْأَيْدِي فِي دُعَاء الِاسْتِسْقَاء]

(١٤٨٠) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ، إلَّا الِاسْتِسْقَاءَ، وَأَنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ.» وَفِي حَدِيثٍ أَيْضًا لَأَنَسٍ: «فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ» .

[مَسْأَلَةٌ يَدْعُو وَيَدْعُونَ وَيُكْثِرُونَ فِي دُعَائِهِمْ الِاسْتِغْفَار فِي صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

(١٤٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيَدْعُو، وَيَدْعُونَ، وَيُكْثِرُونَ فِي دُعَائِهِمْ الِاسْتِغْفَارَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جَلَسَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْلِسْ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَا هَاهُنَا أَذَانٌ لِيَجْلِسَ فِي وَقْتِهِ، ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَبِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيْ الْعِيدَيْنِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ. وَلِأَنَّهَا أَشْبَهَتْهَا فِي التَّكْبِيرِ، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، فَتُشْبِهُهَا فِي الْخُطْبَتَيْنِ.

وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا فَصَلَ بَيْنَ ذَلِكَ بِسُكُوتٍ وَلَا جُلُوسٍ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ نَقَلَ الْخُطْبَةَ لَمْ يَنْقُلْ خُطْبَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ دُعَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِيُغِيثَهُمْ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ. وَلَوْ كَانَ النَّقْلُ كَمَا ذَكَرُوهُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَوَّلِ الْحَدِيثِ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْخُطْبَةَ بِالتَّكْبِيرِ، كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَيُكْثِرَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْرَأَ كَثِيرًا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١١] وَسَائِرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُمْ بِإِرْسَالِ الْغَيْثِ إذَا اسْتَغْفَرُوهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>