وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَقَالَ: لَقَدْ اسْتَسْقَيْت بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ يَقُولُ: قَدْ كَتَبْت إلَى الْبُلْدَانِ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الِاسْتِسْقَاءِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، وَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٥] . وَأَمَرْتهمْ أَنْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ أَبُوهُمْ آدَم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] . وَيَقُولُوا كَمَا قَالَ نُوحٌ: {وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧] . وَيَقُولُوا كَمَا قَالَ يُونُسُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] . وَيَقُولُوا كَمَا قَالَ مُوسَى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: ١٦] .
وَلِأَنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ انْقِطَاعِ الْغَيْثِ، وَالِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ تَمْحُو الْمَعَاصِيَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْغَيْثِ، فَيَأْتِي اللَّهُ بِهِ.
وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو بِدُعَائِهِ، فَرَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَرِيعًا يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ بِالْيَاءِ وَالْبَاءِ، فَمَنْ رَوَاهُ بِالْيَاءِ جَعَلَهُ مِنْ الْمُرَاعَةِ، يُقَال: أَمْرَعَ الْمَكَانُ: إذَا أَخْصَبَ، وَمَنْ رَوَاهُ مُرْبِعًا، كَانَ مَعْنَاهُ مُنْبِتًا لِلرَّبِيعِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ، وَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٣] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] لَا إلَهَ إلَّا هُوَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرو: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَسْقَى، قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك، وَانْشُرْ رَحْمَتَك، وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute