وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَدْ جَعَلَ لَهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهُوَ قَدْ رَضِيَ فِي أَكْثَرِ الْعَمَلَيْنِ بِدِرْهَمِ، فَلَا يُزَادُ عَنْهُ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ فَلَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ فَسَدَ فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ.
[فَصْل قَالَ إِن خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ نَصْفُ دِرْهَمٍ]
(٤٢٥٨) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ نَصْفُ دِرْهَمٍ. فَفِيهَا وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْخِلَافُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَ صَاحِبَيْهِ فِي الصِّحَّةِ هَاهُنَا. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ الْعِوَضُ وَلَا الْمُعَوَّضُ، فَلَمْ يَصِحَّ. كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ هَذَا بِدِرْهَمَيْنِ. وَفَارَقَ هَذَا " كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ " مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْعَمَلَ الثَّانِيَ يَنْضَمُّ إلَى الْعَمَلِ الْأَوَّلِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ مُقَدَّرٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ
وَهَا هُنَا الْخِيَاطَةُ وَاحِدَةٌ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا إنْ وُجِدَتْ عَلَى صِفَةٍ، وَعِوَضًا آخَرَ إنْ وُجِدَتْ عَلَى أُخْرَى، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ، أَوْ أَحَدَ عَشْرَ مُكَسَّرَةٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ وَقَفَ الْإِجَارَةَ عَلَى شَرْطٍ، بِقَوْلِهِ: إنْ خِطْته كَذَا فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ خِطْته كَذَا فَلَكَ كَذَا. بِخِلَافِ قَوْلِهِ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةِ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ حَمَّالٍ إلَى مِصْرَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا]
(٤٢٥٩) فَصْلٌ: وَنَقَلَ مُهَنَّا، عَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ حَمَّالٍ إلَى مِصْرَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَإِنْ نَزَلَ دِمَشْقَ فَكِرَاؤُهُ ثَلَاثُونَ، فَإِنْ نَزَلَ الرَّقَّةَ فَكِرَاؤُهُ عِشْرُونَ. فَقَالَ إذَا اكْتَرَى إلَى الرَّقَّةِ بِعِشْرِينَ، وَاكْتَرَى إلَى دِمَشْقَ بِعَشَرَةٍ، وَاكْتَرَى إلَى مِصْرَ بِعَشَرَةٍ، جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْحَمَّالِ أَنْ يَرْجِعَ. فَظَاهِرُ هَذَا، أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، لِكَوْنِهِ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ عُقُودٍ. وَيُخَرَّجُ فِيهِ أَنْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ هَذَا
وَنَقَلَ الْبَرْزَاطِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْمِلُ لَهُ كِتَابًا إلَى الْكُوفَةِ، وَقَالَ: إنْ وَصَّلْت الْكِتَابَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ عِشْرُونَ، وَإِنْ تَأَخَّرْت بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَلَكَ عَشَرَةٌ. فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةُ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ، فِي مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً، وَقَالَ: إنْ رَدَدْتهَا غَدًا فَكِرَاؤُهَا عَشَرَةٌ، وَإِنْ رَدَدْتهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤُهَا خَمْسَةٌ. فَلَا بَأْسَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، وَالظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، فِيمَا ذَكَرْنَا، فَسَادُ الْعَقْدِ، وَهُوَ قِيَاسُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَسَائِل الصُّبْرَةِ]
(٤٢٦٠) فَصْلٌ: فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ، وَفِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ، أَحَدُهَا، قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَحْمِلَ لِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَى مِصْرَ بِعَشَرَةٍ. فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute