مِنْ الشِّجَاجِ الْخَمْسِ فَلَا تَوْقِيتَ فِيهَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ فِي الدَّامِيَةِ بَعِيرًا، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَيْنِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةً، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةَ أَبْعِرَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرْوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي السِّمْحَاقِ مِثْلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْهُمَا.
وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، فِيهَا نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا جِرَاحَاتٌ لَمْ يَرِدْ فِيهَا تَوْقِيتٌ فِي الشَّرْعِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا حُكُومَةً، كَجِرَاحَاتِ الْبَدَنِ. رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَهَا» ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا مُقَدَّرٌ بِتَوْقِيفٍ، وَلَا لَهُ قِيَاسٌ يَصِحُّ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْحُكُومَةِ، كَالْحَارِصَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْجِرَاحَاتِ مِنْ الْمُوضِحَةِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُوضِحَةٌ إلَى جَانِبِهَا، قُدِّرَتْ هَذِهِ الْجِرَاحَةُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ النِّصْفِ، وَجَبَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، إنْ كَانَتْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَجَبَ ثُلُثُ الْأَرْشِ.
وَعَلَى هَذَا، إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْحُكُومَةُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، فَتُوجِبَ مَا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ، فَإِذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ قَدْرَ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ، وَشَيْنُهَا يَنْقُصُ قَدْرَ ثُلُثَيْهَا، أَوْجَبْنَا ثُلُثَيْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْحُكُومَةُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، أَوْجَبْنَا النِّصْفَ، فَنُوجِبُ الْأَكْثَرَ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ، أَوْ قَدْرَهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُوجِبَانِ؛ الشَّيْنُ وَقَدْرُهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ، فَوَجَبَ بِهَا أَكْثَرُهُمَا؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى إيجَابِ الْمِقْدَارِ، أَنَّ هَذَا اللَّحْمَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَكَانَ فِي بَعْضِهِ بِمِقْدَارِهِ مِنْ دِيَتِهِ، كَالْمَارِنِ وَالْحَشَفَةِ وَالشَّفَةِ وَالْجَفْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا لَا نَعْلَمُهُ مَذْهَبًا لِأَحْمَدْ وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ، وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جِرَاحَةٌ تَجِبُ فِيهَا الْحُكُومَةُ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا مُقَدَّرٌ. كَجِرَاحَاتِ الْبَدَنِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ، وَلَا نَعْلَمُ لِمَا ذَكَرُوهُ نَظِيرًا.
[مَسْأَلَةٌ الْجِرَاح الَّتِي لَمْ تُوَقِّت]
(٦٩٩٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْجِرَاحِ تَوْقِيتٌ، وَلَمْ يَكُنْ نَظِيرًا لِمَا وُقِّتَتْ دِيَتُهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ) أَمَّا الَّذِي فِيهِ تَوْقِيتٌ، فَهُوَ الَّذِي نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَرْشِهِ، وَبَيَّنَ قَدْرَ دِيَتِهِ، كَقَوْلِهِ: «فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا نَظِيرُهُ، فَهُوَ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَمَقِيسًا عَلَيْهِ، كَالْأَلْيَتَيْنِ، وَالثَّدْيَيْنِ، وَالْحَاجِبَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ أَيْضًا، فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُوَقَّتِ، وَلَا مِمَّا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، كَالشِّجَاجِ الَّتِي دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَجِرَاحِ الْبَدَنِ سِوَى الْجَائِفَةِ، وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ، وَكَسْرِ الْعِظَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْحُكُومَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute