(١٩٧٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا عَبِيدُ عَبِيدِهِ؛ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُهُمْ بِالتَّمْلِيكِ، فَالْفِطْرَةُ عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، فَقَدْ قِيلَ: لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُهُمْ، وَمِلْكُ الْعَبْدِ نَاقِصٌ. وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ فِطْرَتِهِمْ؛ لِأَنَّ فِطْرَتَهُمْ تَتْبَعُ النَّفَقَةَ، وَنَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةٌ فَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُمْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا كَمَالُ الْمِلْكِ، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَبِيدِهِ، مَعَ نَقْصِ مِلْكِهِ.
[فَصْلُ زَوْجَةُ الْعَبْدِ فِطْرَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا]
(١٩٧٤) فَصْلٌ: وَأَمَّا زَوْجَةُ الْعَبْدِ فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ فِطْرَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي وُجُوبُ فِطْرَتِهَا عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ؛ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ خَادِمِ امْرَأَتِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا؛ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» . وَهَذِهِ مِمَّنْ يَمُونُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ، لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ، فَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَهَكَذَا لَوْ زَوَّجَ الِابْنُ أَبَاهُ، وَكَانَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلُ فِي وُجُوبَ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ مَنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَةِ إنْسَانٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ]
(١٩٧٥) فَصْلٌ: وَإِنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَةِ إنْسَانٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَخْتَارُونَ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ. أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فِي مَنْ ضَمَّ إلَى نَفْسِهِ يَتِيمَةً يُؤَدِّي عَنْهَا؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» . وَهَذَا مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ، وَلِأَنَّهُ شَخْصٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ كَعَبْدِهِ وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَمُنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لَا عَلَى الْإِيجَابِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْمُؤْنَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ الْآبِقِ وَلَمْ يَمُنْهُ، وَلَوْ مَلَكَ عَبْدًا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ تَزَوَّجَ، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُمْ؛ لِوُجُوبِ مُؤْنَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَمُنْهُمْ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، أَوْ مَاتَا، أَوْ مَاتَ وَلَدُهُ، لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُمْ، وَإِنْ مَانَهُمْ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: (مِمَّنْ تَمُونُونَ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، فَيَقْتَضِي الْحَالَ أَوْ الِاسْتِقْبَالَ دُونَ الْمَاضِي، وَمِنْ مَانَهُ فِي رَمَضَانَ إنَّمَا وُجِدَتْ مُؤْنَتُهُ فِي الْمَاضِي، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ، وَلَوْ دَخَلَ فِيهِ لَاقْتَضَى وُجُوبَ الْفِطْرَةِ عَلَى مَنْ مَانَهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يُقَيِّدُهُ بِالشَّهْرِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَالتَّقْيِيدُ بِمُؤْنَةِ الشَّهْرِ تَحَكُّمٌ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ فِطْرَةُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute