يَسْتَوْثِقُ مِنْ نَفَقَتِهِ. وَلِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى شَدِّهِ، فَجَازَ، كَعِقْدِ الْإِزَارِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْهِمْيَانِ نَفَقَةٌ، لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ لِلْمُحْرِمِ، وَكَرِهَهُ نَافِعٌ مَوْلَاهُ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ نَفَقَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِيمَا فِيهِ النَّفَقَةُ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْمُحْرِمِ يَلْبَسُ الْمِنْطَقَةَ مِنْ وَجَعِ الظَّهْرِ، أَوْ حَاجَةٍ إلَيْهَا. قَالَ: يَفْتَدِي. فَقِيلَ لَهُ: أَفَلَا تَكُونُ مِثْلَ الْهِمْيَانِ؟ قَالَ: لَا.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمِنْطَقَةَ لِلْمُحْرِمِ، وَأَنَّهُ أَبَاحَ شَدَّ الْهِمْيَانِ، إذَا كَانَتْ فِيهِ النَّفَقَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْهِمْيَانَ تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ، وَالْمِنْطَقَةُ لَا نَفَقَةَ فِيهَا، فَأُبِيحَ شَدُّ مَا فِيهِ النَّفَقَةُ، لِلْحَاجَةِ إلَى حِفْظِهَا، وَلَمْ يُبَحْ شَدُّ مَا سِوَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمَا نَفَقَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَفَقَةٌ، فَهُمَا سَوَاءٌ.
وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ: أُوثِقْ عَلَيْك نَفَقَتَك. فَرَخَّصَتْ فِيهَا إذَا كَانَتْ فِيهَا النَّفَقَةُ. وَلَمْ يُبِحْ أَحْمَدُ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ لِوَجَعِ الظَّهْرِ، إلَّا أَنْ يَفْتَدِيَ؛ لِأَنَّ الْمِنْطَقَةَ لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ لِمَحْظُورٍ فِي الْإِحْرَامِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ لِدَفْعِ الْبَرْدِ، أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِإِزَالَةِ أَذَى الْقَمْلِ، أَوْ تَطَيَّبَ لِأَجْلِ الْمَرَضِ.
[مَسْأَلَة لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْتَجِم وَلَا يَقْطَع شَعْرًا]
(٢٣٣٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ، وَلَا يَقْطَعَ شَعْرًا) أَمَّا الْحِجَامَةُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا فَمُبَاحَةٌ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ بِإِخْرَاجِ دَمٍ، فَأَشْبَهَ الْفَصْدَ، وَبَطَّ الْجُرْحِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْتَجِمُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَرَى فِي الْحِجَامَةِ دَمًا. وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِدْيَةً، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَرَفَّهُ بِذَلِكَ، فَأَشْبَهَ شُرْبَ الْأَدْوِيَةِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي قَطْعِ الْعُضْوِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْخِتَانِ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ. فَإِنْ احْتَاجَ فِي الْحِجَامَةِ إلَى قَطْعِ شَعْرٍ، فَلَهُ قَطْعُهُ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُحَيْنَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ بِلَحْيِ جَمَلٍ، فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَسَطَ رَأْسِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ قَطْعُ الشَّعْرِ. وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ حَلْقُ الشَّعْرِ لِإِزَالَةِ أَذَى الْقَمْلِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ. وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: ١٩٦] . الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ حَلْقُ شَعْرٍ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، كَمَا لَوْ حَلَقَهُ لِإِزَالَةِ قَمْلِهِ. فَأَمَّا إنْ قَطَعَ عُضْوًا عَلَيْهِ شَعْرٌ، أَوْ جِلْدَةً عَلَيْهَا شَعْرٌ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ زَالَ تَبَعًا لِمَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute