بِرُّهُ بِأَبِيهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِقَتْلِهِ. وَرَأَى كَعْبَ بْنَ سَوْرٍ، فَقَالَ: يَزْعُمُونَ إنَّمَا خَرَجَ إلَيْنَا الرَّعَاعُ، وَهَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ اجْتِزَاءً بِالنَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ قِتَالِهِمْ كَفُّهُمْ، وَهَذَا كَافٌّ لِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ كَالْمُنْهَزِمِ. (٧٠٦٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَاتَلَ مَعَهُمْ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، فَهُمْ كَالرَّجُلِ الْبَالِغِ الْحُرِّ، يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ، وَيُتْرَكُونَ مُدْبِرِينَ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِلدَّفْعِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَتْلَ إنْسَانٍ، جَازَ دَفْعُهُ وَقِتَالُهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا كَانَ مَعَهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يُقَاتِلُونَ: قُوتِلُوا، وَقُتِلُوا.
[فَصْل لَا يُقَاتِل الْبُغَاة بِمَا يَعُمّ إتْلَافُهُ]
(٧٠٦٧) فَصْلٌ: وَلَا يُقَاتَلُ الْبُغَاةُ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ، كَالنَّارِ، وَالْمَنْجَنِيقِ، وَالتَّغْرِيقِ، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ مَنْ لَا يُقَاتِلُ، وَمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ يَقَعُ عَلَى مَنْ يُقَاتِلُ وَمَنْ لَا يُقَاتِلُ. فَإِنْ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ، مِثْلُ أَنْ يَحْتَاطَ بِهِمْ الْبُغَاةُ، وَلَا يُمْكِنَهُمْ التَّخَلُّصُ إلَّا بِرَمْيِهِمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ، جَازَ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا تَحَصَّنَ الْخَوَارِجُ، فَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى رَمْيِهِمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ عَسْكَرٌ، وَمَا لَمْ يَنْهَزِمُوا، وَإِنْ رَمَاهُمْ الْبُغَاةُ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ، جَازَ رَمْيُهُمْ بِمِثْلِهِ.
[فَصْلٌ إذَا اقْتَتَلَتْ طَائِقَتَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]
(٧٠٦٨) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى قَهْرِهِمَا، لَمْ يُعِنْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْخَطَإِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، وَخَافَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حَرْبِهِ، ضَمَّ إلَيْهِ أَقْرَبَهُمَا إلَى الْحَقِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا، اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ فِي ضَمِّ إحْدَاهُمَا، وَلَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مَعُونَةَ إحْدَاهُمَا، بَلْ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِذَا هَزَمَهَا، لَمْ يُقَاتِلْ مَنْ مَعَهُ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ حَصَلُوا فِي أَمَانِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا يَسْتَعِينُ عَلَى قِتَالِهِمْ بِالْكُفَّارِ بِحَالٍ، وَلَا بِمَنْ يُرَى قَتْلُهُمْ مُدْبِرِينَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَصِنْفٍ آخَرَ مِنْهُمْ، إذَا كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ هُمْ الظَّاهِرِينَ عَلَى مَنْ يَسْتَعِينُونَ بِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْقَصْدَ كَفُّهُمْ، وَرَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، دُونَ قَتْلِهِمْ، وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى كَفِّهِمْ، اسْتَعَانَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، لَمْ يَجُزْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute