فَصَلَّى وَرَاءَهُ حَالَ إفَاقَتِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَيُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ احْتَلَمَ حَالَ جُنُونِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، وَلِئَلَّا يُعَرِّضَ الصَّلَاةَ لِلْإِبْطَالِ فِي أَثْنَائِهَا، لِوُجُودِ الْجُنُونِ فِيهَا، وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، فَلَا تَفْسُدُ بِالِاحْتِمَالِ.
[فَصْلٌ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالْإِنْسَانُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ]
(١١٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالْإِنْسَانُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، فَإِنْ شَاءَ صَلَّى خَلْفَهُ، وَأَعَادَ وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ وَحْدَهُ، وَوَافَقَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا عَلَى الْكَمَالِ، فَلَا تَفْسُدُ بِمُوَافَقَتِهِ غَيْرَهُ فِي الْأَفْعَالِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُوَافَقَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعِيدُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، فَتُقَامُ الصَّلَاةُ، وَيَكُونُ الرَّجُلُ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ لَا يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَهُ، وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: إنْ خَرَجَ كَانَ فِي ذَلِكَ شُنْعَةٌ، وَلَكِنْ يُصَلِّي مَعَهُ، وَيُعِيدُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ، وَيَكُونَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِنَفْسِهِ وَيَرْكَعُ لِنَفْسِهِ، وَيَسْجُدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُبَالِي أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ مَعَ سُجُودِهِ، وَتَكْبِيرُهُ مَعَ تَكْبِيرِهِ.
قُلْت: فَإِنْ فَعَلَ هَذَا لِنَفْسِهِ أَيُعِيدُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَكَيْفَ يُعِيدُ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَوْلَى، وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» . قَالَ: إنَّمَا ذَاكَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَنَوَى الْفَرْضَ، أَمَّا إذَا صَلَّى مَعَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِهَا فَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ هَذَا. فَقَدْ نَصَّ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَلَكِنَّ تَعْلِيلَهُ إفْسَادَهَا بِكَوْنِهِ نَوَى أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِهَا، يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَإِجْزَائِهَا إذَا نَوَى الِاعْتِدَادَ بِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِينَ لَا يَرْضَوْنَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ جَمَاعَةً، فَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَوَافَقُوا الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، كَانَ جَائِزًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى جَائِزَةٌ]
(١١٣٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى جَائِزَةٌ) . هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ غُلَامًا لَهَا كَانَ يَؤُمُّهَا. وَصَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةُ، وَأَبُو ذَرٍّ وَرَاءَ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ، وَهُوَ عَبْدٌ. وَمِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ: الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَرِهَ أَبُو مِجْلَزٍ إمَامَةَ الْعَبْدِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَارِئًا وَهُمْ أُمِّيُّونَ.
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: «إنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ، وَأَنْ أُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute