للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوُجُوبِهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَغَيْرُهَا يَجِبُ نَادِرًا وَلِعَارِضٍ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ وَالصَّلَاةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، فَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَقِيَاسُهُمْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا أَثَرَ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّوَافِلَ كُلَّهَا فِيهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ، وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَيَجِبُ حَذْفُ هَذَا الْوَصْفِ، لِعَدَمِ أَثَرِهِ، ثُمَّ يُنْقَضُ قِيَاسُهُمْ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَيَنْتَقِضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالْمَنْذُورَةِ.

[مَسْأَلَةٌ إظْهَارُ التَّكْبِيرِ فِي لَيَالِي الْعِيدَيْنِ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَيُظْهِرُونَ التَّكْبِيرَ فِي لَيَالِي الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ فِي الْفِطْرِ آكَدُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥] وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ إظْهَارُ التَّكْبِيرِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَطُرُقِهِمْ، مُسَافِرِينَ كَانُوا أَوْ مُقِيمِينَ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِهَا: لِتُكْمِلُوا عِدَّةَ رَمَضَانَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عِنْدَ إكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ.

وَمَعْنَى إظْهَارِ التَّكْبِيرِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ، وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَتَذْكِيرِ الْغَيْرِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى، يَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ، وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا، وَيُعْجِبُنَا ذَلِكَ.

وَاخْتُصَّ الْفِطْرُ بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ؛ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ، وَلَيْسَ التَّكْبِيرُ وَاجِبًا. وَقَالَ دَاوُد: هُوَ وَاجِبٌ فِي الْفِطْرِ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَكْبِيرٌ فِي عِيدٍ، فَأَشْبَهَ تَكْبِيرَ الْأَضْحَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ إيجَابُهُ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَالْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ، إنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إرَادَتِهِ، فَقَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥] (١٣٩٥) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي طَرِيقِ الْعِيدِ، وَيَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُكَبِّرُ النَّاسُ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ لِصَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ جَهْرًا، حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ الْمُصَلَّى، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِي خُطْبَتِهِ، وَيُنْصِتُونَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.

قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْعِيدِ كَبَّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ (١٣٩٦) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: التَّكْبِيرُ فِي الْأَضْحَى مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ؛ فَالْمُقَيَّدُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ.

وَالْمُطْلَقُ فِي كُلِّ حَالٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَفِي كُلِّ زَمَانٍ. وَأَمَّا الْفِطْرُ فَمَسْنُونُهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>