للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.» وَهُمَا خَشْيَتَانِ: خَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ زِيَادَةِ الصَّدَقَةِ، وَخَشْيَةُ السَّاعِي مِنْ نُقْصَانِهَا.

فَلَيْسَ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَنْ يَجْمَعُوا أَمْوَالَهُمْ الْمُتَفَرِّقَةَ، الَّتِي كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَاةً، لِيَقِلَّ الْوَاجِبُ فِيهَا، وَلَا أَنْ يُفَرِّقُوا أَمْوَالَهُمْ الْمُجْتَمِعَةَ، الَّتِي كَانَ فِيهَا بِاجْتِمَاعِهَا فَرْضٌ، لِيَسْقُطَ عَنْهَا بِتَفْرِقَتِهَا، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْخُلَطَاءِ، لِتَكْثُرَ الزَّكَاةُ، وَلَا أَنْ يَجْمَعَهَا إذَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً لِتَجِبَ الزَّكَاةُ، وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ قَدْ صَارَا كَالْمَالِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَكَذَلِكَ فِي إخْرَاجِهَا.

وَمَتَى أَخَذَ السَّاعِي الْفَرْضَ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا، رَجَعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِقَدْرِ قِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الْفَرْضِ، فَإِذَا كَانَ لَأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ، فَأَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الثُّلُثِ، رَجَعَ بِثُلُثَيْ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْآخَرِ، رَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا اخْتَلَفَا، وَعَدِمَتْ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَالْغَاصِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ تَلَفِهِ.

[فَصْل أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنْ الْفَرْضِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ]

(١٧٣٢) فَصْلٌ: إذَا أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنْ الْفَرْضِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ شَاتَيْنِ مَكَانَ شَاةٍ، أَوْ يَأْخُذَ جَذَعَةً مَكَانَ حِقَّةٍ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ الرُّجُوعُ إلَّا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ. وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّحِيحَةَ عَنْ الْمِرَاضِ، وَالْكَبِيرَةَ عَنْ الصِّغَارِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْحِصَّةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَخْذِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ الْوَاجِبِ.

وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ، رَجَعَ بِمَا يَخُصُّ شَرِيكَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بِتَأْوِيلٍ.

[فَصْل مِلْك رَجُل أَرْبَعِينَ شَاة فِي الْمُحْرِم وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَر وَأَرْبَعِينَ فِي رَبِيع]

(١٧٣٣) فَصْلٌ: إذَا مَلَكَ رَجُلٌ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ، وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ، وَأَرْبَعِينَ فِي رَبِيعٍ، فَعَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ شَاةٌ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي، فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَزِدْ فَرْضُهُ عَلَى شَاةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَتْ أَحْوَالُهُ. وَالثَّانِي، فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَلَّ بِشَاةٍ، فَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الثَّانِي، وَهِيَ نِصْفُ شَاةٍ؛ لِاخْتِلَاطِهَا بِالْأَرْبَعِينَ الْأُولَى مِنْ حِينِ مَلَكَهَا. وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّالِثِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَالثَّانِي، فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ ثُلُثُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُخْتَلِطًا بِالثَّمَانِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>