للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَفْظُ التَّرْتِيبِ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الزُّهْرِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى رِوَايَتِهِ هَكَذَا، سِوَى مَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ، فِيمَا عَلِمْنَا، وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي سَائِرِ أَصْحَابِهِ.

وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ زِيَادَةٌ، وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ مُتَعَيِّنٌ. وَلِأَنَّ حَدِيثَنَا لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثَهُمْ لَفْظُ الرَّاوِي، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَوَاهُ ب (أَوْ) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ فِيهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَكَانَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ.

[فَصْلُ دُخُول الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ]

(٢٠٦٤) فَصْلٌ: فَإِذَا عَدِمَ الرَّقَبَةَ، انْتَقَلَ إلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي دُخُولِ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ، إلَّا شُذُوذًا لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ، لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ أَوْجَبَهُ أَنَّهُ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ، لِلْخَبَرِ أَيْضًا. فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الصِّيَامِ حَتَّى وَجَدَ الرَّقَبَةَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ الْمُوَاقِعَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، حِينَ أَخْبَرَهُ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَمَّا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمُوَاقَعَةِ، وَهِيَ حَالَةُ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْبَدَلِ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لَهُ حَالَ الْوُجُوبِ.

وَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعِتْقَ فَيُجْزِئَهُ، وَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ الْأَوْلَى. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِهِ بِالْبَدَلِ، فَبَطَلَ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، كَالْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ. وَلَنَا أَنَّهُ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَأَجْزَأَتْهُ، كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى فَرَاغِهَا، وَفَارَقَ الْعِتْقُ التَّيَمُّمَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا يَسْتُرُهُ، فَإِذَا وُجِدَ الْمَاءُ ظَهَرَ حُكْمُهُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ حُكْمَ الْجِمَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي، أَنَّ الصِّيَامَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، فَيَشُقُّ إلْزَامُهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ.

[مَسْأَلَةُ دُخُولِ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَان]

(٢٠٦٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَدٌّ مِنْ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي دُخُولِ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَهُوَ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ إطْعَامٌ فِي كَفَّارَةٍ فِيهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَكَانَ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا يُطْعَمُ كُلُّ مِسْكِينٍ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، فَيَكُونُ الْجَمِيعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>