للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً» . رَوَاهُنَّ الْبُخَارِيُّ، وَالْأَوْلَى الْإِحْرَامُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: ذَكَرْت لِابْنِ عَبَّاسٍ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِحْرَامَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاحِلَتَهُ، وَاسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً، أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْمٌ، فَقَالُوا: أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ الرَّاحِلَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا إلَّا ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى عَلَا الْبَيْدَاءَ، فَأَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْمٌ، فَقَالُوا: أَهَلَّ حِينَ عَلَا الْبَيْدَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ. وَهَذَا لَفْظُ الْأَثْرَمِ. وَهَذَا فِيهِ بَيَانٌ وَزِيَادَةُ عِلْمٍ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَكَيْفَمَا أَحْرَمَ جَازَ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ.

[مَسْأَلَة الْإِحْرَامَ يَقَعُ بِالنُّسُكِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ تَمَتُّعٍ وَإِفْرَادٍ وَقِرَانٍ]

(٢٢٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَقَعُ بِالنُّسُكِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ تَمَتُّعٍ، وَإِفْرَادٍ، وَقِرَانٍ. فَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ. وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. وَالْقِرَانُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ بِهِمَا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ الطَّوَافِ. فَأَيُّ ذَلِكَ أَحْرَمَ بِهِ جَازَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ وَالْإِفْرَادُ وَالْقِرَانُ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ بِأَيِّ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِهَا، فَاخْتَارَ إمَامُنَا التَّمَتُّعَ، ثُمَّ الْإِفْرَادَ، ثُمَّ الْقِرَانَ.

وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعِكْرِمَةُ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: إنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ حِينَ سَاقَ الْهَدْيَ وَمَنَعَ كُلَّ مِنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ الْحِلِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ. وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إلَى اخْتِيَارِ الْقِرَانِ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَحَدِيثُ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ، حِينَ لَبَّى بِهِمَا، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وَرُوِيَ عَنْ مَرْوَان بْن الْحَكَمِ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَسَمِعَ عَلِيًّا يُلَبِّي بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ نَكُنْ نُهِينَا عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَمْ أَكُنْ أَدَعُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِك» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ الْقِرَانَ مُبَادَرَةٌ إلَى فِعْلِ الْعِبَادَةِ، وَإِحْرَامٌ بِالنُّسُكَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>