للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ، وَمَعَ حُضُورِ مَا يَبِيعُهُ حَالًّا لَا حَاجَةً إلَى السَّلَمِ، فَلَا يَثْبُتُ.

وَيُفَارِقُ تَنَوُّعَ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالتَّأْجِيلِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّنْبِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُجْزِئُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ بِصِفَةِ التَّأْكِيدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَاهُنَا؛ فَإِنَّ الْبُعْدَ مِنْ الضَّرَرِ لَيْسَ هُوَ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ، وَإِنَّمَا الْمُصَحَّحُ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ، لَمْ نَذْكُرْ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا افْتِرَاقَهُمَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ بَاعَهُ مَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ حَالًّا فِي الذِّمَّة، صَحَّ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى السَّلَمِ، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا فِي اللَّفْظِ.

[الْفَصْل الثَّانِي كَوْن الْأَجَل مَعْلُومًا فِي السَّلَم الْحَال]

(٣٢٢٢) الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّلَمِ كَوْنِ الْأَجَلِ مَعْلُومًا السَّلَم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: ٢٨٢] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ". وَلَا نَعْلَمُ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ اخْتِلَافًا فَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّلَهُ بِالْحَصَادِ وَالْجِزَازِ وَمَا أَشْبَهَهُ.

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ إلَى الْعَطَاء. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ شَيْءٌ يُعْرَفُ فَأَرْجُو، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إلَى قُدُومِ الْغُزَاةِ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ وَقْتَ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فَأَمَّا نَفْسُ الْعَطَاءِ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَجْهُولٌ يَخْتَلِفُ وَيَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْسَ الْعَطَاءِ؛ لِكَوْنِهِ يَتَفَاوَتُ أَيْضًا، فَأَشْبَهَ الْحَصَادَ.

وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ، بِأَنَّهُ أَجَلٌ يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ مِنْ الزَّمَنِ، يُعْرَفُ فِي الْعَادَةِ، لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا، فَأَشْبَهَ إذَا قَالَ: إلَى رَأْسِ السَّنَةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتَبَايَعُوا إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَلَا تَتَبَايَعُوا إلَّا إلَى شَهْرٍ مَعْلُومٍ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَيَقْرُبُ وَيَبْعُدُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا كَقُدُومِ زَيْدٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ إلَى يَهُودِيٍّ، أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ» . قُلْنَا: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رَوَاهُ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ غَفْلَةٌ، وَهُوَ صَدُوقٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَفَلَاتِهِ، إذْ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لَمْ يَصِحَّ.

[فَصْلٌ جَعَلَ الْأَجَل إلَى شَهْرٍ فِي السَّلَم]

(٣٢٢٣) فَصْلٌ: إذَا جَعَلَ الْأَجَلَ إلَى شَهْرٍ تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ. وَإِنْ جَعَلَ الْأَجَلَ اسْمًا يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ كَجُمَادَى وَرَبِيعٍ وَيَوْمِ النَّفْرِ، تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِمَا. وَإِنْ قَالَ: إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَانَ إلَى انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>