الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِي، فَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ، كَالْمَرْهُونِ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَادَفَ مِلْكَهُ، وَلَمْ يُعَلِّقْ بِهِ حَقًّا، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ رَهَنَ الْمُرْتَدَّ.
وَفَارَقَ الْمَرْهُونَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتنَا فَالْحَقُّ تَعَلَّقَ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ تَصَرُّفَهُ. وَهَكَذَا كُلُّ حَقٍّ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهِ، كَالزَّكَاةِ وَالْجِنَايَةِ، فَلَا يَمْنَعُ رَهْنَهُ، فَإِذَا رَهَنَهُ، ثُمَّ قَضَى الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ، فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْحَقَّ، فَلِلْغُرَمَاءِ انْتِزَاعُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ أَسْبَقُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْجَانِي. وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي التَّرِكَةِ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ مَبِيعٌ بَاعَهُ الْمَيِّتُ بِعَيْبٍ ظَهَرَ فِيهِ، أَوْ حَقٌّ تَجَدَّدَ تَعَلُّقُهُ بِالتَّرِكَةِ، مِثْلُ إنْ وَقَعَ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ نَافِذٍ، فَإِنْ قَضَى الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ نَفَذَ، وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ.
[فَصْلٌ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرِ]
(٣٣١٣) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ صِحَّةَ رَهْنِهِ، إذَا شَرَطَا كَوْنَهُ عَلَى يَدِ مُسْلِمٍ، وَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ مَالِكُهُ. وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ.
[مَسْأَلَةٌ قَبَضَ الرَّهْنَ مَنْ تَشَارَطَا أَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ عَلَى يَدِهِ]
(٣٣١٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ مَنْ تَشَارَطَا أَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ عَلَى يَدِهِ، صَارَ مَقْبُوضًا وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ إذَا شَرَطَا كَوْنَ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ رَضِيَاهُ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، جَازَ، وَكَانَ وَكِيلًا لِلْمُرْتَهِنِ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، فَمَتَى قَبَضَهُ صَحَّ قَبْضُهُ، فِي قَوْلِ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الْحَكَمُ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَكُونُ مَقْبُوضًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ، فَتَعَلَّقَ بِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ
وَلَنَا، أَنَّهُ قَبْضٌ فِي عَقَدَ، فَجَازَ فِيهِ التَّوْكِيلُ، كَسَائِرِ الْقُبُوضِ، وَفَارَقَ الْقَبُولَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا كَانَ لِشَخْصِ كَانَ الْقَبُولُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُخَاطَبُ بِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَبْلَ أَنْ يُوجِبَ لَهُ، صَحَّ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ، فِيمَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ فِيهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَا الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ مَنْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ، وَهُوَ الْجَائِزُ التَّصَرُّفِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا، فَإِنْ فَعَلَا كَانَ قَبْضُهُ وَعَدَمُ الْقَبْضِ وَاحِدًا، وَلَا عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَضْيِيعُهَا فِي الْحِفْظِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ، جَازَ
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute