للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَنْفَقَ مِنْ الْبَذْرِ، وَمُؤْنَةِ الزَّرْعِ فِي الْحَرْثِ وَالسَّقْيِ، وَغَيْرِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ". وَقِيمَةُ الشَّيْءِ لَا تُسَمَّى نَفَقَةً لَهُ.

وَالْحَدِيثُ، مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا، عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ عَيْنِ مَالِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَحَضَنَتْ بَيْضًا لَهُ. أَوْ طَعَامًا فَعَلَفَهُ دَوَابَّ لَهُ، كَانَ النَّمَاءُ لَهُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ، أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتَهُ؛ لِلْأَثَرِ. وَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ لِلْغَاصِبِ إذَا اسْتَحَقَّتْ الْأَرْضُ بَعْدَ أَخْذِ الْغَاصِبِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ، فَيَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ مَدْلُولُهُ.

(٣٩٥١) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يَبْقَى أُصُولُهُ فِي الْأَرْضِ، وَيُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالرَّطْبَةِ وَالنَّعْنَاعِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الزَّرْعِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَرْعٌ قَوِيٌّ، فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَرْسِ؛ لِبَقَاءِ أَصْلِهِ وَتَكَرُّرِ أَخْذِهِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ زَرْعٍ مِثْلُ حُكْمِ الْغَرْسِ، وَإِنَّمَا تُرِكَ فِيمَا تَقِلُّ مُدَّتُهُ لِلْأَثَرِ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ.

[فَصْلٌ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا فَأَثْمَرَتْ فَأَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ أَخْذِ الْغَاصِبِ ثَمَرَتَهَا]

(٣٩٥٢) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا فَأَثْمَرَتْ، فَأَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ أَخْذِ الْغَاصِبِ ثَمَرَتَهَا، فَهِيَ لَهُ. وَإِنْ أَدْرَكَهَا وَالثَّمَرَةُ فِيهَا، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ شَجَرِهِ، فَكَانَتْ لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَرْضِهِ، وَلِأَنَّهَا نَمَاءُ أَصْلٍ مَحْكُومٍ بِهِ لِلْغَاصِبِ، فَكَانَ لَهُ، كَأَغْصَانِهَا وَوَرَقِهَا. وَلَبَنِ الشَّاةِ وَوَلَدِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ إنْ أَدْرَكَهَا فِي الْغِرَاسِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا، فَالنَّمَاءُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَعَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَا أَنْفَقَهُ الْغَارِسُ مِنْ مُؤْنَةِ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ فَكَانَتْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا فِيهَا، كَالزَّرْعِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ أَخْذَ رَبِّ الْأَرْضِ الزَّرْعَ شَيْءٌ لَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ، وَإِنَّمَا صَارَ إلَيْهِ لِلْأَثَرِ، فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَا يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ تُفَارِقُ الزَّرْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ الْأَرْضِ، فَكَانَ لِصَاحِبِهَا، وَالثَّمَرَةُ نَمَاءُ الشَّجَرِ. فَكَانَ لِصَاحِبِهِ. الثَّانِي، أَنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَ الزَّرْعِ الَّذِي أَخَذَهُ، مِثْلُ الْبَذْرِ الَّذِي نَبَتَ مِنْهُ الزَّرْعُ، مَعَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>