ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي تَوْرِيثِ الْمَجُوسِ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ.
وَهَذَا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَزُفَرَ وَشَرِيكٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ: السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْقَرَابَتَيْنِ إذَا كَانَتَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَرِثْ بِهِمَا جَمِيعًا، كَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ. وَلَنَا، أَنَّهَا شَخْصٌ ذُو قَرَابَتَيْنِ، تَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، وَلَا يُرَجَّحُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ.
فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا أَوْ زَوْجًا، وَفَارَقَ الْأَخَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنَّهُ رَجَحَ بِقَرَابَتَيْهِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّرْجِيحِ بِالْقَرَابَةِ الزَّائِدَةِ وَالتَّوْرِيثِ بِهَا؛ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، بَلْ إذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا وُجِدَ الْآخَرُ، وَهَا هُنَا قَدْ انْتَفَى التَّرْجِيحُ فَيَثْبُتُ التَّوْرِيثُ. وَصُورَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِ الْمَرْأَةِ بِنْتَ بِنْتِهَا، فَيُولَدَ لَهُمَا وَلَدٌ، فَتَكُونَ الْمَرْأَةُ أُمَّ أُمِّ أُمِّهِ، وَهِيَ مِنْ أُمِّ أَبِي أَبِيهِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ ابْنُ بِنْتِهَا بِنْتَ بِنْتِهَا، فَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمُّ أُمِّ أَبِيهِ.
وَإِنْ أَدْلَتْ الْجَدَّةُ بِثَلَاثِ جِهَاتٍ، تَرِثُ بِهِنَّ، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى وَارِثَةٌ عِنْدَ مَنْ لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ.
[مَسْأَلَةٌ الْجَدَّةُ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيُّ]
(٤٨٦٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَالْجَدَّةُ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيُّ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إذَا كَانَ ابْنُهَا حَيًّا وَارِثًا، فَإِنَّ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَأَبَا الطُّفَيْلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرَّثُوهَا مَعَ ابْنِهَا.
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَا تَرِثُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ جَابِرٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَلَا خِلَافَ فِي تَوْرِيثِهَا مَعَ ابْنِهَا إذَا كَانَ عَمًّا أَوْ عَمَّ أَبٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْلِي بِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَسْقَطَهَا بِابْنِهَا بِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ، فَلَا تَرِثُ مَعَهُ، كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ، وَأُمِّ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ، أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا، وَابْنُهَا حَيٌّ.» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ: (أَوَّلُ جَدَّةٍ أُطْعِمَتْ السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا)
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا. وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْأُمِّ، لَا مِيرَاثَ الْأَبِ، فَلَا يُحْجَبْنَ بِهِ كَأُمَّهَاتِ الْأُمِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute