[فَصْلٌ فَوَّضَ أَمْرَ الطَّلَاقِ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ]
(٥٨٨٧) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ: أَمْرُك بِيَدِك، وَاخْتَارِي نَفْسَك. بِالشُّرُوطِ، وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى أَجْنَبِيٍّ، صَحَّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَمُعَلَّقًا؛ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: اخْتَارِي نَفْسَك، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، شَهْرًا، أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَمْرُك بِيَدِك. أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك يَوْمًا. أَوْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ: [إذَا] كَانَ سَنَةٌ، أَوْ أَجَلٌ مُسَمًّى. فَأَمْرُك بِيَدِك. فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ. فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَلَيْسَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْرٌ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَقَالَ لِأَبِيهَا: إنْ جَاءَك خَبَرِي إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِلَّا فَأَمْرُ ابْنَتِك إلَيْك. فَلَمَّا مَضَتْ السُّنُونَ لَمْ يَأْتِ خَبَرُهُ، فَطَلَّقَهَا الْأَبُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا جَعَلَ إلَى الْأَبِ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَرُجُوعُهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِ.
وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ فَوَّضَ أَمْرَ الطَّلَاقِ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ، فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، كَالتَّوْكِيلِ الصَّرِيحِ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ إلَى مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ، عَلَى حَسَبِ مَا جَعَلَهُ إلَيْهِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلرُّجُوعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ، كُرِهَ لِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الزَّوْجَ رَجَعَ فِي الْوَكَالَةِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ. فَإِنْ غَابَ الْوَكِيلُ، كُرِهَ لِلزَّوْجِ الْوَطْءُ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ طَلَّقَ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَحْمَدُ أَيْضًا؛ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي أَيْضًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، فَحُمِلَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْيَقِينِ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ: رُجُوعُهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِ. مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ قَدْ رَجَعَ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ، قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ.
[مَسْأَلَةٌ التَّخْيِيرَ عَلَى الْفَوْرِ فِي الطَّلَاقِ]
(٥٨٨٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ خَيَّرَهَا، فَاخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ مِنْ وَقْتِهَا، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ عَلَى الْفَوْرِ، إنْ اخْتَارَتْ فِي وَقْتِهَا، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: هُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَلَهَا الِاخْتِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، مَا لَمْ يَفْسَخَ أَوْ يَطَأْ. وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ «بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ لَمَّا خَيَّرَهَا: إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَجِّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك.» وَهَذَا يَمْنَعُ قَصْرَهُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا إلَيْهَا، فَأَشْبَهَ أَمْرُك بِيَدِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute