للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَسْأَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخَفِّفُ عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. ثُمَّ يَنْتَظِرُ، فَإِنْ كَانَ ذَا كَسْبٍ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ وَخَرَاجِهِ شَيْءٌ، جَازَ، فَإِنَّ لَهُمَا بِهِ نَفْعًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَحْرِصُ عَلَى الْكَسْبِ، وَرُبَّمَا فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ يَزِيدُهُ فِي نَفَقَتِهِ، وَيَتَّسِعُ بِهِ. وَإِنْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ نَفَقَتِهِ، لَمْ يَجُزْ.

وَكَذَلِكَ إنْ كَلَّفَ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ الْمُخَارَجَةَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ، فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهُ الْكَسْبَ سَرَقَ، وَلَا تُكَلِّفُوا الْمَرْأَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا الْكَسْبَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا. وَلِأَنَّهُ مَتَى كَلَّفَ غَيْرَ ذِي الْكَسْبِ خَرَاجًا، كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ". وَرُبَّمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ.

[فَصْلٌ مَرِضَ الْمَمْلُوكُ أَوْ زَمِنَ أَوْ عَمِيَ أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ عَلَى مِنْ تَلْزَم نَفَقَته]

(٦٥٧٠) فَصْلٌ: وَإِذَا مَرِضَ الْمَمْلُوكُ، أَوْ زَمِنَ، أَوْ عَمِيَ، أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ، فَعَلَى سَيِّدِهِ الْقِيَامُ بِهِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الصِّغَرِ، وَالْمِلْكُ بَاقٍ مَعَ الْعَمَى وَالزَّمَانَةِ، فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَهُمَا، مَعَ عُمُومِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

[مَسْأَلَة لِلسَّيِّدِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَمْلُوكَ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ]

(٦٥٧١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَأَنْ يُزَوِّجَ الْمَمْلُوكَ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إعْفَافُ مَمْلُوكِهِ، إذَا طَلَبَ ذَلِكَ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَإِطْعَامِ الْحَلْوَاءِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] . وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَا يَجِبُ إلَّا عِنْد الطَّلَبِ.

وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَلَمْ يُزَوِّجْهَا، وَلَمْ يُصِبْهَا، أَوْ عَبْدٌ فَلَمْ يُزَوِّجْهُ، فَمَا صَنَعَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَوْلَا وُجُوبُ إعْفَافِهِمَا لَمَا لَحِقَ السَّيِّدَ الْإِثْمُ بِفِعْلِهِمَا، وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، دَعَا إلَى تَزْوِيجِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>