بِالْفَحْشَاءِ، وَلَا بِالْمَعَاصِي، وَذَبْحُ الْوَلَدِ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] .
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قِيلَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُطْعِمَ مَعَكَ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءِ، وَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ، وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، فَلَا يَعْصِهِ» .
وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَلِأَنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «النَّذْرُ حَلِفُهُ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ وَلَدَهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ النَّذْرَ لِذَبْحِ الْوَلَدِ كِنَايَةٌ عَنْ ذَبْحِ كَبْشٍ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِذَبْحِ كَبْشٍ، لَمْ يَكُنْ الْكَبْشُ فِدَاءً، وَلَا كَانَ مُصَدِّقًا لِلرُّؤْيَا قَبْلَ ذَبْحِ الْكَبْشِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ ابْتِلَاءً، ثُمَّ فُدِيَ بِالْكَبْشِ، وَهَذَا أَمْرٌ اخْتَصَّ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، لَحِكْمَةٍ عَلِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ إبْرَاهِيمُ مَأْمُورًا بِذَبْحِ كَبْشٍ، فَقَدْ وَرَدَ شَرْعُنَا بِخِلَافِهِ، فَإِنَّ نَذْرَ ذَبْحِ الِابْنِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي شَرْعِنَا، وَلَا مُبَاحٍ، بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ، فَتَكُونُ كَفَّارَتُهُ كَكَفَّارَةِ سَائِرِ نُذُورِ الْمَعَاصِي.
[فَصْلٌ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ]
(٧٩٨٣) فَصْلٌ: وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، فَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ إذَا حَنِثَ: يَذْبَحُ شَاةً. وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَ ذَبْحَ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الَّذِي قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ فُلَانًا. فَقَالَ: عَلَيْهِ ذَبْحُ كَبْشٍ. وَلِأَنَّهُ نَذَرَ ذَبْحَ آدَمِيٍّ، فَكَانَ عَلَيْهِ ذَبْحُ كَبْشٍ، كَنَذْرِ ذَبْحِ ابْنِهِ.
وَالثَّانِيَةُ، عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، فَكَانَ مُوجَبُهُ كَفَّارَةً، لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute