[فَصْلٌ حَلَفَ لَا تَسَرَّيْت فَوَطِئَ جَارِيَتَهُ]
(٨٠٠٧) فَصْلٌ: إذَا حَلَفَ: لَا تَسَرَّيْت. فَوَطِئَ جَارِيَتَهُ، حَنِثَ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَطَأَ فَيُنْزِلَ، فَحْلًا كَانَ أَوْ خَصِيًّا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُحْصِنَهَا وَيَحْجُبَهَا عَنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَهَذِهِ. وَلَنَا، أَنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ، وَهُوَ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي السِّرِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥] وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَنْ تَطْلُبُوا سِرَّهَا لِلْغِنَى ... وَلَنْ تُسْلِمُوهَا لِإِزْهَادِهَا
وَقَالَ آخِرُ
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ... كَبِرْت وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي
وَلِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِنْزَالُ وَلَا التَّحْصِينُ، كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ أَعْمُرهُ]
(٨٠٠٨) فَصْلٌ: إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ، فَأَهْدَى إلَيْهِ، أَوْ أَعْمَرَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى عَلَيْهِ، يَجِبُ إخْرَاجُهُ، فَلَيْسَ هُوَ بِهِبَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَحُكْمًا؛ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . وَكَانَتْ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَالْهَدِيَّةُ حَلَالٌ لَهُ، وَكَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَمَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَحْنَثُ فِي أَحَدِهِمَا بِفِعْلِ الْآخَرِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَحَنِثَ بِهِ، كَالْهَدِيَّةِ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُسَمَّى هِبَةً، فَلَوْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ، قِيلَ: وَهَبَ دِرْهَمًا، وَتَبَرَّعَ بِدِرْهَمٍ. وَاخْتِلَافُ التَّسْمِيَة لِكَوْنِ الصَّدَقَةِ نَوْعًا مِنْ الْهِبَةِ، فَيَخْتَصُّ بَاسِمٍ دُونَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute