(٢٥٤٥) فَصْلٌ: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى الْهَدْيَ إلَّا مَا عَرَّفَ بِهِ، وَنَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ لِلْقَارِنِ أَنْ يَسُوقَ هَدْيَهُ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ، فَإِنْ ابْتَاعَهُ مِنْ دُون ذَلِكَ، مِمَّا يَلِي مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، جَازَ. وَقَالَ فِي هَدْيِ الْمُجَامِعِ: إنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَهُ، فَلْيَشْتَرِهِ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ لِيُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ، وَلْيَسُقْهُ إلَى مَكَّةَ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْهَدْيِ نَحْرُهُ، وَنَفْعُ الْمَسَاكِينِ بِلَحْمِهِ، بِهَذَا لَا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ، وَلَمْ يَرِدْ بِمَا قَالُوهُ دَلِيلٌ يُوجِبُهُ، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا نَحَرَ هَدْيَهُ حلق رَأْسَهُ أَوْ قَصَّرَ مِنْهُ]
(٢٥٤٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَحَرَ هَدْيَهُ، فَإِنَّهُ يَحْلِقُ رَأْسَهُ، أَوْ يُقَصِّرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ. فَرَوَى أَنَسٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ بِمِنًى فَدَعَا فَذَبَحَ، ثُمَّ دَعَا بِالْحَلَّاقِ، فَأَخَذَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ فَحَلَقَهُ، فَجَعَلَ يُقَسِّمُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَاهُنَا أَبُو طَلْحَةَ؟ فَدَفَعَهُ إلَى أَبِي طَلْحَةَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ؛ لِهَذَا الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، أَجْزَأَهُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ. أَيَّهُمَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ. يَعْنِي فِي حَقِّ مِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَعْنًى يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ. إلَّا أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الْحَلْقَ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ حَجَّهَا. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] . وَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ) . وَقَدْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَصَّرَ، فَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِيًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَنْ لَبَّدَ، أَوْ عَقَصَ، أَوْ ضَفَّرَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيَحْلِقْ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ لَبَّدَ، أَوْ ضَفَّرَ، أَوْ عَقَدَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute