بَطَلَ حُكْمُ عُنَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ، انْقَطَعَتْ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ مِنْهُ، ثَبَتَ حُكْمُ عُنَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا
وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يُزَوَّجُ امْرَأَةً لَهَا حَظٌّ مِنْ الْجَمَالِ، وَتُعْطَى صَدَاقَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيُخَلَّى مَعَهَا، وَتُسْأَلُ عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ بِمَا تَقُولُ، فَإِنْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ يَطَأُ، كَذَبَتْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفَسْخِ وَصَدَاقُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ كَذَّبَتْهُ، فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَصَدَاقُ الثَّانِيَةِ مِنْ مَالِهِ هَاهُنَا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى سَمُرَةَ، فَشَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهَا زَوْجُهَا، فَكَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ، أَنْ زَوِّجْهُ بِامْرَأَةِ ذَاتِ جَمَالٍ يُذْكَرُ عَنْهَا الصَّلَاحُ، وَسُقْ إلَيْهَا الْمَهْرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَنْهُ، فَإِنْ أَصَابَهَا فَقَدْ كَذَبَتْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فَقَدْ صَدَقَتْ. فَفَعَلَ ذَلِكَ سَمُرَةُ، فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَشْهَدُهُ امْرَأَتَانِ، وَيُتْرَكُ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ، وَيُجَامِعُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا نَظَرَتَا إلَى فَرْجِهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رُطُوبَةُ الْمَاءِ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِلَّا فَلَا. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ فِي الْإِيلَاءِ، وَلِمَا قَدَّمْنَا.
وَاعْتِبَارُ خُرُوجِ الْمَاءِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَأُ وَلَا يُنْزِلُ، وَقَدْ يُنْزِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، فَإِنَّ ضَعْفَ الذَّكَرِ لَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ الظَّهْرِ وَنُزُولَ الْمَاءِ، وَقَدْ يَعْجِزُ السَّلِيمُ الْقَادِرُ عَنْ الْوَطْءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، أَوْ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، يَكُونُ عِنِّينًا، وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا مُدَّتَهُ سَنَةً، وَتَزْوِيجُهُ بِامْرَأَةِ ثَانِيَةٍ، لَا يَصِحُّ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى، وَلِأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ مُؤَقَّتًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ، فَهُوَ نِكَاحٌ بَاطِلٌ، وَالْوَطْءُ فِيهِ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَازِمًا، فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالثَّانِيَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ تَخْلِيصَ نَفْسِهَا، فَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فِيهِ، وَلَيْسَتْ بِأَحَقَّ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا مِنْ الْأُولَى، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ بِذَلِكَ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الَّذِي ذَكَرُوهُ، أَنْ يَثْبُتَ عَجْزُهُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي اخْتَبَرُوهُ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ عُنَّتِهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَجْزِهِ، فَلَأَنْ لَا تَثْبُتَ بِدَعْوَى غَيْرِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْلَى.
[مَسْأَلَة قَالَ الْخُنَثِي الْمُشْكِلُ أَنَا رَجُلٌ]
(٥٥٤٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ: أَنَا رَجُلٌ. لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحٍ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَبَقَ، فَقَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ. لَمْ يَنْكِحْ إلَّا رَجُلًا.
الْخُنْثَى: هُوَ الَّذِي لَهُ فِي قُبُلِهِ فَرْجَانِ؛ ذَكَرُ رَجُلٍ، وَفَرْجُ امْرَأَةٍ. وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: ٤٥] . وَقَالَ تَعَالَى {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١] . فَلَيْسَ ثَمَّ خَلْقٌ ثَالِثٌ. وَلَا يَخْلُو الْخُنْثَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا، أَوْ غَيْرَ مُشْكِلٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا بِأَنْ تَظْهَرَ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ، فَهُوَ رَجُلٌ لَهُ أَحْكَامُ الرِّجَالِ، أَوْ تَظْهَرَ فِيهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ، فَهُوَ امْرَأَةٌ لَهُ أَحْكَامُهُنَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute