للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَلَدِهِ، أَوْ فِي يَدِ نَائِبٍ لَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ. وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَمَنْ غَصَبَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَيَلْزَمُهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ. وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ فِي قَبْضَتِهِ، أَوْ رَحْلِهِ، أَوْ خَيْمَتِهِ، أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ، أَوْ مَرْبُوطًا بِحَبْلٍ مَعَهُ، لَزِمَهُ إرْسَالُهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: هُوَ ضَامِنٌ لِمَا فِي بَيْتِهِ أَيْضًا. وَحُكِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا فِي يَدِهِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ ابْتِدَاءِ الصَّيْدِ الْمَنْعُ مِنْ اسْتَدَامَتْهُ؛ بِدَلِيلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ.

وَلَنَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ، أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِي الصَّيْدِ فِعْلًا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَعَكْسُ هَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنَّهُ فَعَلَ الْإِمْسَاكَ فِي الصَّيْدِ، فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِمْسَاكِ إمْسَاكٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا فَاسْتَدَامَ إمْسَاكَهُ، حَنِثَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى أَرْسَلَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ رَدَّهُ إذَا حَلَّ، وَمَنْ قَتَلَهُ ضَمِنَهُ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ كَانَ عَلَيْهِ، وَإِزَالَةُ الْأَثَرِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، بِدَلِيلِ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ. فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ إرْسَالِهِ بَعْدَ إمْكَانِهِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَّةِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَالِ الْآدَمِيِّ.

وَإِنْ كَانَ قَبْلَ إمْكَانِ الْإِرْسَالِ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْرِطٍ وَلَا مُتَعَدٍّ، فَإِنْ أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَلِأَنَّ الْيَدَ قَدْ زَالَ حُكْمُهَا وَحُرْمَتُهَا، فَإِنْ أَمْسَكَهُ حَتَّى حَلَّ، فَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا زَالَ حُكْمُ الْمُشَاهَدَةِ، فَصَارَ كَالْعَصِيرِ يَتَخَمَّرُ ثُمَّ يَتَخَلَّلُ قَبْلَ إرَاقَتِهِ.

[فَصْلٌ لَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ]

فَصْلٌ: وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ابْتِدَاءً بِالْبَيْعِ، وَلَا بِالْهِبَةِ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ، فَإِنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ «أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدُّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» . فَإِنْ أَخَذَهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ تَلِفَ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ.

وَإِنْ كَانَ مَبِيعًا، فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ أَوْ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ. فَإِنْ أَرْسَلَهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَبِيعِ أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ إرْسَالُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إثْبَاتُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ عَلَى الصَّيْدِ.

وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الَّذِي بَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ مُخْتَارٌ وَلَا عَيْبَ فِي ثَمَنِهِ، وَلَا غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ عَلَى الصَّيْدِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.

وَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبِ أَوْ خِيَارٍ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ مُتَحَقِّقٌ، ثُمَّ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ، وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ.

[فَصْلٌ وَرِثَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا]

(٢٦٩٤) فَصْلٌ:

وَإِنْ وَرِثَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ لَيْسَ بِفِعْلِ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>