مَالٍ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَحَبَّ الْعَفْوَ إلَى غَيْرِ مَالٍ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْعَفْوَ عَلَى مَالٍ إلَّا بِرِضَى الْجَانِي.
[فَصْلٌ اشْتَرَكَ الْجَمَاعَة فِي الْقَتْل فَعَفَا عَنْهُمْ إلَى الدِّيَة]
(٦٧٦٧) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِي الْقَتْل، فَعَفَا عَنْهُمْ إلَى الدِّيَةِ، فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِمْ، فَعَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ وَاحِدٌ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ وَاحِدَةً، سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةً كَامِلَةً لِأَنَّ لَهُ قَتْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، كَمَا لَوْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ عَيْنِهِ، وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الْمُتْلَفِ، فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلَفِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ حُرًّا، لَمْ يَمْلِكْ الْعَفْوَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ الدِّيَةِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ عَلَى الْفِعْلِ، فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ قَتَلَ مِنْ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَقِيدُوا بِهِ فَبَذَلَ الْقَاتِلُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ]
(٦٧٦٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ قُتِلَ مَنْ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَقِيدُوا بِهِ، فَبَذَلَ الْقَاتِلُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَنْ لَا يُقَادَ، فَلِلْأَوْلِيَاءِ قَبُولُ ذَلِكَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، وَبِقَدْرِهَا وَأَقَلِّ مِنْهَا، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ عَمْدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ؛ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ. وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْقَتْلِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَيْنَا أَنَّ هُدْبَةَ بْن خَشْرَمٍ قَتَلَ قَتِيلًا، فَبَذَلَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ لِابْنِ الْمَقْتُولِ سَبْعَ دِيَاتٍ، لِيَعْفُوَ عَنْهُ، فَأَبَى ذَلِكَ، وَقَتَلَهُ. وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِ مَالٍ، فَجَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، كَالصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَلِأَنَّهُ صُلْحٌ عَمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، فَأَشْبَهَ الصُّلْحَ عَنْ الْعُرُوضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute