[فَصْلُ شَرَطَ الْمُشْتَرَى الْخَرَاجَ عَلَى الْبَائِعِ]
(١٨٦٣) فَصْلٌ: وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ، يُؤَدِّي خَرَاجَهَا، وَيَكُونُ مَعْنَى الشِّرَاءِ هَاهُنَا نَقْلَ الْيَدِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي بِعِوَضِ. وَإِنْ شَرَطَ الْخَرَاجَ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ اكْتِرَاءً لَا شِرَاءَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ بَيَانَ مُدَّتِهِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ.
(١٨٦٤) فَصْلٌ: وَإِذَا بِيعَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ، فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَصَحَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، كَسَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ. وَإِنْ بَاعَ الْإِمَامُ شَيْئًا لِمُصْلِحَةِ رَآهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ مَا يَحْتَاجُ إلَى عِمَارَةٍ لَا يَعْمُرُهَا إلَّا مِنْ يَشْتَرِيهَا، صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ، فِي كِتَابِ فُتُوحِ الشَّامِ، قَالَ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشْيَخَتِنَا إنَّ النَّاسَ سَأَلُوا عَبْدَ الْمَلِكِ وَالْوَلِيدَ وَسَلْمَانَ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُمْ فِي شِرَاءِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَذِنُوا لَهُمْ عَلَى إدْخَالِ أَثْمَانِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ.
فَلَمَّا وَلِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْرَضَ عَنْ تِلْكَ الْأَشْرِيَةِ؛ لِاخْتِلَاطِ الْأُمُورِ فِيهَا لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الْمَوَارِيثِ وَمُهُورِ النِّسَاءِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَلَا مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَكَتَبَ كِتَابًا قُرِئَ عَلَى النَّاسِ سَنَةَ الْمِائَةِ، أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ سَنَةِ مِائَةٍ فَإِنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ وَسَمَّيْ سَنَةَ مِائَةٍ سَنَةَ الْمُدَّةِ، فَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ شِرَائِهَا، ثُمَّ اشْتَرَوْا أَشَرْيَةً كَثِيرَةً كَانَتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا تُؤَدِّي الْعُشْرَ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَفْضَى الْأَمْرُ إلَى الْمَنْصُورِ رُفِعَتْ تِلْكَ الْأَشْرِيَةِ إلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَضَرَّ بِالْخَرَاجِ فَأَرَادَ رَدَّهَا إلَى أَهْلِهَا فَقِيلَ لَهُ: قَدْ وَقَعَتْ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْمُهُورِ، وَاخْتَلَطَ أَمْرُهَا فَبَعَثَ الْمُعَدِّلِينَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ إلَى حِمْصَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشِ إلَى بَعْلَبَكَّ، وَهِضَابُ بْنُ طَوْقٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زُرَيْقٍ إلَى الْغُوطَةِ.
وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَضَعُوا عَلَى الْقَطَائِعِ وَالْأَشْرِيَةِ الْعَظِيمَةِ الْقَدِيمَةِ خَرَاجًا وَوَضَعُوا الْخَرَاجَ عَلَى مَا بَقِيَ بِأَيْدِي الْأَنْبَاطِ، وَعَلَى الْأَشْرِيَةِ الْمُحْدَثَةِ مِنْ بَعْدِ سَنَةِ مِائَةٍ إلَى السَّنَةِ الَّتِي عُدِّلَ فِيهَا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مَا بَاعَهُ إمَامٌ، أَوْ بِيعَ بِإِذْنِهِ أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّ بَيْعِهِ، هَذَا الْمَجْرَى، فِي أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِل، وَيُتْرَكَ فِي يَدِ مُشْتَرِيه، أَوْ مِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ، إلَّا مَا بِيعَ قَبْلَ الْمِائَةِ السَّنَة فَإِنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ، كَمَا نُقِلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ.
(١٨٦٥) فَصْلٌ: وَحُكْمُ إقْطَاعِ هَذِهِ الْأَرْضِ حُكْمُ بَيْعِهَا فِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عُمَرَ، أَوْ مِمَّا كَانَ قَبْلَ مِائَةِ سَنَةٍ، فَهُوَ لِأَهْلِهِ. وَمَا كَانَ بَعْدَهَا، ضُرِبَ عَلَيْهِ، كَمَا فَعَلَ الْمَنْصُورُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute