عَلَيْهَا» . وَالشَّابَّةُ وَالْكَبِيرَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْعَلُهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ شَابَّةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ كُرِهَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ تَقْرَبُ مِنْ الرِّجَالِ، فَيُخَافُ الِافْتِتَانُ بِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَلِهَذَا يَلْزَمُ الْحَجُّ النِّسَاءَ، وَلَا تَلْزَمُهُنَّ الْجُمُعَةُ. وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا قِلَّةُ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ التَّلْبِيَةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
[مَسْأَلَة لَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَة الْقُفَّازَيْنِ وَلَا الْخَلْخَالَ]
(٢٣٧٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ، وَلَا الْخَلْخَالَ، وَمَا أَشْبَهَهُ) الْقُفَّازَانِ: شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ، تُدَخِّلهُمَا فِيهِمَا مِنْ خَرْقٍ، تَسْتُرُهُمَا مِنْ الْحَرِّ، مِثْلُ مَا يُعْمَلُ لِلْبَرْدِ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُهُ فِي يَدَيْهَا فِي حَالِ إحْرَامِهَا.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يُلْبِسُ بَنَاتِهِ الْقُفَّازَيْنِ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ. وَرَخَّصَ فِيهِ عَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ، وَعَطَاءٌ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَلِلشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» . وَأَنَّهُ عُضْوٌ يَجُوزُ سَتْرُهُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ، فَجَازَ سَتْرُهُ بِهِ كَالرِّجْلَيْنِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالْخَلْخَالِ» . وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ كَشْفُ رَأْسِهِ، تَعَلَّقَ حُكْمُ إحْرَامِهِ بِغَيْرِهِ، فَمُنِعَ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ، كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَمَّا لَزِمَهَا كَشْفُ وَجْهِهَا، يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَهُوَ الْيَدَانِ. وَحَدِيثُهُمْ الْمُرَادُ بِهِ الْكَشْفُ. فَأَمَّا السَّتْرُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ، فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْمَخِيطِ. فَأَمَّا الْخَلْخَالُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْحُلِيِّ، مِثْلِ السُّوَارِ وَالدُّمْلُوجِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: الْمُحْرِمَةُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، يَتْرُكَانِ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ، وَلَهُمَا مَا سِوَى ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ. وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا، أَنْ تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ الْخَاتَمَ وَالْقُرْطَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَكَرِهَ السِّوَارَيْنِ وَالدُّمْلُجَيْنِ وَالْخَلْخَالَيْنِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الرُّخْصَةُ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute