[فَصْلٌ لَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ]
(١٢٩٤) فَصْلٌ: وَلَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ، كَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ وَالنِّكَاحِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَلَنَا، أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْبَيْعِ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي الشَّغْلِ عَنْ السَّعْيِ؛ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْبَيْعِ.
[فَصْلٌ لِلسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقْتَانِ]
(١٢٩٥) فَصْلٌ: وَلِلسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقْتَانِ: وَقْتُ وُجُوبٍ، وَوَقْتُ فَضِيلَةٍ. فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا وَقْتُ الْفَضِيلَةِ فَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَكُلَّمَا كَانَ أَبْكَرَ كَانَ أَوْلَى وَأَفْضَلَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ ".
وَالرَّوَاحُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْغُدُوُّ قَبْلَهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَيُقَالُ: تَرَوَّحْتُ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
تَرُوحُ مِنْ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَوَجَدْتُ ثَلَاثَةً قَدْ سَبَقُوهُ، فَقَالَ: رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ، إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ، صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ: «وَمَشَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute