وَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا دُفِعَتْ إلَيْهِ، وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ إنْ ادَّعَاهَا، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا. فَصَدَّقَاهُ، نُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ، وَكَانَا خَصْمَيْنِ فِيهَا، وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَتُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ. فَإِنْ كَانَ لَأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ، وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ.
وَإِنْ بَيَّنَ الْغَاصِبُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالِكَهَا، قُبِلَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَيَّنَهُ ابْتِدَاءً. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ، فَإِنْ حَلَفَ لَأَحَدِهِمَا، لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى تَعْيِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَهُمَا جَمِيعًا، فَسُلِّمَتْ إلَى أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَزِمَهُ غُرْمُهَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ، فَقُضِيَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا وَحْدَهُ.
[فَصْلٌ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدَانِ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ لِزَيْدِ]
(٣٨٣٥) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدَانِ، فَقَالَ: أَحَدُ هَذَيْنِ لِزَيْدٍ. طُولِبَ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا فَصَدَّقَهُ زَيْدٌ أَخَذَهُ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا لِي، وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِزَيْدٍ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يُنْكِرُهُ. وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ: إنَّمَا لِي الْعَبْدُ الْآخَرُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يُنْكِرُهُ، وَلَا يَدْفَعُ إلَى زَيْدٍ الْعَبْدَ الْمُقَرَّ بِهِ وَلَكِنْ يُقَرُّ فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ، لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهُ مَعْرُوفٌ، فَأَشْبَهَ مِيرَاثَ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَارِثُهُ.
فَإِنْ أَبَى التَّعْيِينَ، فَعَيَّنَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَقَالَ: هَذَا عَبْدِي. طُولِبَ بِالْجَوَابِ، فَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ تَعْيِينِهِ لِلْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ، فَهُوَ كَتَعْيِينِهِ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ لِرَجُلِ بِعَبْدِ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ]
(٣٨٣٦) فَصْلٌ: وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ، ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ. فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ هَذَا، إنَّمَا هُوَ آخَرُ. فَعَلَى الْمُقِرِّ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ سِوَاهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ هَذَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه. وَإِنْ قَالَ: هَذَا لِي، وَلِي عِنْدَك آخَرُ. سَلَّمَ إلَيْهِ هَذَا، وَحَلَفَ لَهُ عَلَى نَفْيِ الْآخَرِ. وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمِلْكٍ، فَكَذَّبَهُ، بَطَلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ مِلْكٌ لَا يَعْتَرِفُ بِهِ. وَفِي الْمَالِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا لَهُ بِهِ، فَإِذَا بَطَلَ إقْرَارُهُ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي، يُؤْخَذُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَالِكٌ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ فَيُحْفَظُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه أَحَدٌ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ هَذَا. فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَكَذَّبَ نَفْسَهُ، دُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيه، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَذَّبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، نَفْسَهُ، فَرَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ، وَادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا بِتَلَفٍ أَوْ إبَاقٍ وَنَحْوِهِ، بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ يَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute