كَقَتْلِ الْعَمْدِ. وَمَنْ نَصَرَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: هَذَا مُتَعَدٍّ بِالزَّرْعِ كُلِّهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَالْغَاصِبِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ مَنْعَهُ مِنْ زَرْعِهِ، وَيَمْلِكُ أَخْذَهُ بِنَفَقَتِهِ إذَا زَرَعَهُ. وَيُفَارِقُ مَنْ زَادَ عَلَى حَقِّهِ زِيَادَةً مُتَمَيِّزَةً، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِالْجَمِيعِ، إنَّمَا تَعَدَّى بِالزِّيَادَةِ وَحْدَهَا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُكْرِي مَنْعَهُ مِنْ الْجَمِيعِ
وَنَظِيرُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، مَنْ اكْتَرَى غُرْفَةً لِيَجْعَلَ فِيهَا أَقْفِزَةَ حِنْطَةٍ، فَتَرَكَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَمَنْ اكْتَرَاهَا لِيَجْعَلَ فِيهَا قِنْطَارًا مِنْ الْقُطْنِ، فَجَعَلَ فِيهَا قِنْطَارًا مِنْ حَدِيدٍ، فَفِي الْأُولَى، لَهُ الْمُسَمَّى وَأَجْرُ الزِّيَادَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُخَرَّجُ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ مِثْلُ مَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ.
وَحُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي يَزْرَعُ أَضَرَّ مِمَّا اكْتَرَى لَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ، لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِنْ زَرَعَ فَرَبُّ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِ الزَّرْعِ بِالْأَجْرِ، وَبَيْنَ أَخْذِهِ وَدَفْعِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَخَذَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَهُ، فَلَهُ الْأُجْرَةُ لَا غَيْرُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَصْبِ.
[فَصْل اكْتَرَى دَابَّةً إلَى مَسَافَةٍ فَسَلَكَ أَشَقَّ مِنْهَا]
(٤٢٥٢) فَصْلٌ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً إلَى مَسَافَةٍ، فَسَلَكَ أَشَقَّ مِنْهَا، فَهِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ، يُخَرَّجُ فِيهَا وَجْهَانِ، قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ لَهُ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَزِيَادَةً، لِكَوْنِ الْمَسَافَةِ لَا تَتَعَيَّنُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْجَمِيعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ مَنْعَهُ مِنْ سُلُوكِ تِلْكَ الطَّرِيقِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ مِنْ سَلَكَ تِلْكَ الطَّرِيقَ وَجَاوَزَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُهُ الزِّيَادَةَ لَا غَيْرُ. وَإِنْ اكْتَرَى لِحَمْلِ قُطْنٍ فَحَمَلَ بِوَزْنِهِ حَدِيدًا، أَوْ لِحَمْلِ حَدِيدٍ فَحَمَلَ قُطْنًا، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ لِضَرَرِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ الْمَحْمُولِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْمَسَائِلِ. وَسَائِرُ مَسَائِلِ الْعُدْوَانِ فِي الْإِجَارَةِ يُقَاسُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ مَا كَانَ مُتَمَيِّزًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا فَتُلْحَقُ كُلُّ مَسْأَلَةٍ بِنَظِيرَتِهَا.
[فَصْلٌ أَكْرَاهُ لِحَمْلِ قَفِيزَيْنِ فَحَمَلَهُمَا فَوَجَدَهُمَا ثَلَاثَةً]
(٤٢٥٣) فَصْلٌ: إذَا أَكْرَاهُ لِحَمْلِ قَفِيزَيْنِ، فَحَمَلَهُمَا، فَوَجَدَهُمَا ثَلَاثَةً، فَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي تَوَلَّى الْكَيْلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْرِي بِذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مِنْ اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُكْرِي تَوَلَّى كَيْلَهُ وَتَعْبِئَتَهُ وَلَمْ يَعْلَم الْمُكْتَرِي، فَهُوَ غَاصِبٌ لَا أَجْرَ لَهُ فِي حَمْلِ الزَّائِدِ. وَإِنْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ، فَلَا ضَمَانَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِعُدْوَانِ صَاحِبِهَا، وَحُكْمُهُ فِي ضَمَانِ الطَّعَامِ، حُكْمُ مِنْ غَصَبَ طَعَامَ غَيْرِهِ
وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي، فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِمَا، يَلْزَمُهُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ الْأَجْرُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَيَلْزَمُهُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ ضَمَانُ طَعَامِهِ، وَسَوَاءٌ كَالَهُ أَحَدُهُمَا وَوَضَعَهُ الْآخَرُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَانَ الَّذِي كَالَهُ وَعَبَّأَهُ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute