فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَلَا يَغْتَسِلَ، وَلَا يَسْتَنْجِيَ، وَلَا يَحْتَرِزَ مِنْ نَجَاسَةٍ، وَلَا يُزِيلَهَا عَنْهُ، وَلَا يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَأْكُلَ، وَلَا يَبْطِشَ، وَهَذِهِ الْمَفْسَدَةُ حَاصِلَةٌ بِقَطْعِهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ قَطْعَهَا، كَمَا مَنَعَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَفِي حَقِّ شَخْصٍ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي الْخَامِسَةِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ، وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُ عَلِيٍّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ.
فَرَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِدٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِرَجُلٍ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ. وَقَدْ قُطِعَتْ يَدُ هَذَا وَرِجْلُهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقْطَعَ رِجْلَهُ فَتَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ قَائِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، إمَّا أَنْ تُعَزِّرَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَسْتَوْدِعَهُ السِّجْنَ. فَاسْتَوْدَعَهُ السِّجْنَ.
[فَصْلٌ سَرَقَ مَنْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ مَقْطُوعَةُ الْأَصَابِعِ أَوْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ]
(٧٢٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ مَنْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ، أَوْ شَلَّاءُ، أَوْ مَقْطُوعَةُ الْأَصَابِعِ، أَوْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ فَقُطِعَتْ الْيُسْرَى، أَوْ شُلَّتْ قَبْلَ قَطْعِ يُمْنَاهُ، لَمْ تُقْطَعْ يُمْنَاهُ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَتُقْطَعُ عَلَى الثَّانِيَةِ. وَإِنْ قَطَعَ يُسْرَاهُ قَاطِعٌ مُتَعَمِّدًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا. وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ. وَلَا تُقْطَعَ يَمِينُ السَّارِقِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَفِي قَطْعِ رِجْلِ السَّارِقِ وَجْهَانِ؛ أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالسَّرِقَةِ، وَسُقُوطُ الْقَطْعِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَقْتَضِي قَطْعَ رِجْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَمِينَهُ. وَالثَّانِي: تُقْطَعُ رِجْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ قَطْعُ يَمِينِهِ، فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً حَالَ السَّرِقَةِ. وَإِنْ كَانَتْ يُمْنَاهُ صَحِيحَةً، وَيُسْرَاهُ نَاقِصَةً نَقْصًا يَذْهَبُ بِمُعْظَمِ نَفْعِهَا، مِثْلَ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهَا الْإِبْهَامُ أَوْ الْوُسْطَى أَوْ السَّبَّابَةُ، اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كَقَطْعِهَا، وَيُنْتَقَلُ إلَى رِجْلِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَاحْتُمِلَ أَنْ تُقْطَعَ يُمْنَاهُ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا يَنْتَفِعُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قُطِعَتْ خِنْصَرُهَا. وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ، وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةً، فَلَا أَعْلَمُ فِيهَا قَوْلًا لِأَصْحَابِنَا، وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: تُقْطَعُ يَمِينُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُ يُمْنَى، فَقُطِعَتْ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُ يَدَانِ، فَتُقْطَعُ يُمْنَاهُ. كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَقْطُوعَةُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. وَالثَّانِي: لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ يُمْنَاهُ يَذْهَبُ بِمَنْفَعَةِ الْمَشْيِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute