الثُّلُثِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ مَعًا وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنَّ بَعْضَهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَمْلِكُ الِابْنُ جُزْءًا مِنْهَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ فَيَكُونُ كَمِلْكِ جَمِيعِهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَمَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ عِتْقَهَا فَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْإِجَازَةِ هَلْ هِيَ تَنْفِيذٌ أَوْ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، فَقَدْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَهَا فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ لِمَا فَعَلَ السَّيِّدُ وَقَعَ الطَّلَاقُ
وَهَكَذَا إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ عِتْقَ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ وَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَتَقَتْ وَطَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَعْتِقْ كُلُّهَا فَيَكُونُ حُكْمُهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَمَنْعِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ قَبْلَ إسْقَاطِهِ.
[فَصْلٌ مَسَائِلَ فِي الطَّلَاق تَنْبَنِي عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وَتَأْوِيلِهِ]
(٦٠٦٨) فَصْلٌ: فِي مَسَائِلَ تَنْبَنِي عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وَتَأْوِيلِهِ؛ إذَا قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَكَلَ تَمْرًا فَقَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ مَا أَكَلَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ تَعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَعُدُّ لَهُ عَدَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَدَدَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ فَتَعُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ وَإِنْ نَوَى الْإِخْبَارَ بِكَمِّيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْحَالِفِ إرَادَتُهُ فَتَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَيْهِ كَالْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مُسَمَّاهَا عُرْفًا دُونَ مُسَمَّاهَا حَقِيقَةً وَلَوْ أَكَلَا تَمْرًا فَقَالَ: إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَى مَا أَكَلْتُ مِنْ نَوَى مَا أَكَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَفْرَدَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا فَالْقَوْلُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا
وَإِنْ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ جَارٍ فَحَلَفَ عَلَيْهَا: إنْ خَرَجْت مِنْهُ أَوْ أَقَمْت فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي هِيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ يَمِينِهِ يَقْتَضِي خُرُوجَهَا مِنْ النَّهْرِ أَوْ إقَامَتَهَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَرَى عَنْهَا وَصَارَتْ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ سَوَاءٌ أَقَامَتْ أَوْ خَرَجَتْ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَقِفُ فِي غَيْرِهِ أَوْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَهُمْ تَنْبَنِي عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْقَصْدِ وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا
وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَكَانَا جَمِيعًا فِي السُّوقِ فَقِيلَ: يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى عَتَقَ الْعَبْدُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي السُّوقِ عَبْدٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْنَثَ؛ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا فِي مَنْ حَلَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ دُونَ صِفَتِهِ كَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute