وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْبَازِي، فَقَالَ: إذَا أَمْسَكَ عَلَيْك، فَكُلْ» . وَلِأَنَّهُ جَارِحٌ يُصَادُ بِهِ عَادَةً، وَيَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، فَأَشْبَهَ الْكَلْبَ.
فَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّ الْجَوَارِحَ الْكَوَاسِبُ. {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: ٦٠] . أَيْ كَسَبْتُمْ. وَفُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ، أَيْ كَاسِبُهُمْ. (مُكَلِّبِينَ) مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ.
[فَصْلٌ هَلْ يَجِبُ غُسْلُ أَثَرِ فَمِ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ؟]
فَصْلٌ: وَهَلْ يَجِبُ غُسْلُ أَثَرِ فَمِ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِأَكْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرَا بِغَسْلِهِ وَالثَّانِي، يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ، فَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ، كَبَوْلِهِ. "
[مَسْأَلَة أَرْسَلَ الْبَازِي وَمَا أَشْبَهَهُ فَصَادَ وَقَتَلَ]
(٧٧١٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَرْسَلَ الْبَازِي، وَمَا أَشْبَهَهُ فَصَادَ وَقَتَلَ، أَكَلَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ بِأَنْ يَأْكُلَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصَّيْدِ بِالْبَازِي مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّيْدِ بِالْكَلْبِ، إلَّا تَرْكُ الْأَكْلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ، وَيُبَاحُ صَيْدُهُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ.
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ كَالْكَلْبِ فِي تَحْرِيمِ مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنْ صَيْدِهِ؛ لِأَنَّ مُجَالِدًا رَوَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ وَالْبَازِي، فَلَا تَأْكُلْ» .
وَلِأَنَّهُ جَارِحٌ أَكَلَ مِمَّا صَادَهُ عَقِيبَ قَتْلِهِ، فَأَشْبَهَ سِبَاعَ الْبَهَائِمِ. وَلَنَا، إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ، وَإِذَا أَكَلَ الصَّقْرُ، فَكُلْ؛ لِأَنَّك تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضْرِبَ الْكَلْبَ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضْرِبَ الصَّقْرَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إبَاحَةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ وَوَافَقَهُمْ فِي الصَّقْرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ فِي عَصْرِهِمْ خِلَافُهُمْ، وَلِأَنَّ جَوَارِحَ الطَّيْرِ تُعَلَّمُ بِالْأَكْلِ، وَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُهَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِي تَعْلِيمِهَا، بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَلَا يَصِحُّ، يَرْوِيهِ مُجَالِدٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ أَحْمَدُ: مُجَالِدٌ يُصَيِّرُ الْقِصَّةَ وَاحِدَةً، كَمْ مِنْ أُعْجُوبَةٍ لِمُجَالِدٍ. وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ تُخَالِفُهُ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الطَّيْرِ عَلَى السِّبَاعِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكُلُّ جَارِحٍ مِنْ الطَّيْرِ أَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ، وَالِاصْطِيَادُ بِهِ، مِنْ الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْعُقَابِ، حَلَّ صَيْدُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُؤْكَلُ مَا صِيدَ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ إذَا كَانَ بَهِيمًا]
(٧٧١١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ مَا صِيدَ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ، إذَا كَانَ بَهِيمًا؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ)