للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّكَاةِ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ، وَفِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ، كَاَلَّذِي يَلْتَقِطُهُ اللَّقَّاطُ مِنْ السُّنْبُلِ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُبَاحِ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ إذَا نَبَتَ فِي أَرْضِهِ، وَلَعَلَّهُ بَنَى هَذَا عَلَى أَنَّ مَا نَبَتَ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْكَلَأِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ. فَأَمَّا إنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ مَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ، مِثْلُ أَنْ سَقَطَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ حَبٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ، فَنَبَتَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ.

وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ، أَوْ ثَمَرَةً قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، أَوْ مَلَكَهَا بِجِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْمِلْكِ، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلُ لَا زَكَاة فِيمَا لَيْسَ بِحُبِّ وَلَا ثَمَرٍ]

(١٨٢٥) فَصْلٌ: وَلَا تَجِبُ فِيمَا لَيْسَ بِحَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ، سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالِادِّخَارُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، فَلَا تَجِبُ فِي وَرَقٍ مِثْلِ وَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَالصَّعْتَرِ وَالْآسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا زَكَاةَ فِي حَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» . أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي ثَمَرِ السِّدْرِ، فَوَرَقُهُ أَوْلَى.

وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الْحَبِّ الْمُبَاحِ، فَفِي الْوَرَقِ أَوْلَى. وَلَا زَكَاةَ فِي الْأَزْهَارِ، كَالزَّعْفَرَانِ، وَالْعُصْفُرِ، وَالْقُطْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ، وَلَا هُوَ بِمَكِيلٍ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ، كَالْخَضْرَاوَاتِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الْقُطْنِ شَيْءٌ. وَقَالَ: لَيْسَ فِي الزَّعْفَرَانِ زَكَاةٌ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْفَاكِهَةِ وَالْبَقْلِ وَالتَّوَابِلِ وَالزَّعْفَرَانِ زَكَاةٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ.

وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ فِي الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ زَكَاةً. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ وَجْهًا، قِيَاسًا عَلَى الزَّعْفَرَانِ. وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِأُصُولِ أَحْمَدَ؛ قَالَ: الْمَرْوِيُّ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ إلَّا فِي الْأَرْبَعَةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالذُّرَةِ وَالسُّلْتِ وَالْأُرْزِ وَالْعَدَسِ، وَكُلِّ شَيْءٍ يَقُومُ مَقَامَ هَذِهِ حَتَّى يُدَّخَرَ، وَيَجْرِيَ فِيهِ الْقَفِيزُ، مِثْلُ: اللُّوبِيَا وَالْحِمَّصِ وَالسَّمَاسِمِ وَالْقُطْنِيَّاتِ؛ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.

وَهَذَا لَا يَجْرِي فِيهِ الْقَفِيزُ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا سَمَّاهُ.

[فَصْلُ اُخْتُلِفَ فِي زَكَاة الزَّيْتُونِ]

(١٨٢٦) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الزَّيْتُونِ. فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ: فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ - يَعْنِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ - وَإِنْ عُصِرَ قُوِّمَ ثَمَنُهُ؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَهُ بَقَاءٌ. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>