للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْفًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْخِيَارِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ، كَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَيَلْزَمُهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا. أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ مِنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِقِيمَتِهِ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهَا شَيْءٌ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَفْظِ شَرْطٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُك، وَزَوِّجِينِي نَفْسَك. وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ حَالَةَ الْعِتْقِ، وَيُطَالِبُهَا بِهَا فِي الْحَالِ إنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً، فَهَلْ تُنْظَرُ إلَى الْمَيْسَرَةِ، أَوْ تُجْبَرُ عَلَى الْكَسْبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا فِي الْمُفْلِسِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْكَسْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

[فَصْلٌ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَأَمَتُهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا وَتُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ]

(٥٢٨٤) فَصْلٌ: وَإِنْ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَأَمَتُهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا، وَتُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا، فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ، صَحَّ، وَلَا مَهْرَ لَهَا غَيْرَ مَا شَرَطَ مِنْ الْعِتْقِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ الْعِتْقُ صَدَاقًا، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي لَهُ فِي ذِمَّتِهَا، وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقِيمَةَ، صَحَّ الصَّدَاقُ. وَلَنَا أَنَّ الْعِتْقَ صَلَحَ صَدَاقًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ كَالدَّرَاهِمِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفٍ.

جَازَ، فَلَأَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ أَوْلَى، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يُقْصَدُ فِيهِ الْعِوَضُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا، صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَصِيرُ صَدَاقًا، كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا مَالًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ. فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا لِيَتَزَوَّجَهَا فَامْتَنَعَ، لَمْ يُجْبَرْ، وَكَانَتْ لَهُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَى تَزْوِيجِهِ نَفْسَهَا، لَمْ يُجْبَرْ هُوَ عَلَى قَبُولِهَا. وَحُكْمُ الْمُدَبَّرَةِ، وَالْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، حُكْمُ الْأَمَةِ الْقِنِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

[فَصْلٌ أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ عَبْدَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا]

(٥٢٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ عَبْدَهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ، وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بِهِ، فَإِذَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ تُمَلِّكَهُ دَارًا. وَلَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ تَزَوُّجَهَا لَمْ تُجْبَرْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَهَا، فَلَا يُوجَبُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ عَلَى أَمَتِهِ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ أَعْتَقَ الْأَمَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا]

(٥٢٨٦) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا، سَوَاءٌ أَعْتَقَهَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَعْتَقَهَا لِيَتَزَوَّجَهَا. وَكَرِهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>