للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ.

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ، فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا مَعِيبًا رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِيمَا اشْتَرَاهُ اثْنَانِ فَتَقَاسَمَاهُ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِمَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهُ، فَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. وَلَنَا، أَنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى الْمَبِيعِ طَرِيقُهُ الظَّنُّ وَالتَّخْمِينُ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِيهِ كَثِيرٌ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ هَذَا فِيهِ، فَصَارَ هَذَا كَالْخَرْصِ الْحَاصِلِ بِالظَّنِّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ مَا يَجِبُ التَّمَاثُلُ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ، وَكَوْنِهِ لَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى التَّقْوِيمِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ لَاتَّخَذَهُ النَّاسُ طَرِيقًا لِإِسْقَاطِهَا، فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَاهُنَا لَهُ طَرِيقٌ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ، أَوْ بَيْعُهُ مُسَاوِمَةً.

الْقَسَمُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُتَمَاثِلَاتِ الَّتِي يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ الْمُتَسَاوِي، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْجُزْءِ مَعْلُومٌ يَقِينًا، وَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَخَذَهُمَا عَلَى الصِّفَةِ، وَأَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَالَهُ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ، كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمَا، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا.

وَلِأَنَّ الثَّمَنَ وَقَعَ عَلَيْهِمَا مُتَسَاوِيًا لِتَسَاوِي صِفَتِهِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَهُمَا كَقَفِيزَيْنِ مِنْ صُبْرَةٍ. وَإِنْ حَصَلَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى الصِّفَةِ، جَرَتْ مَجْرَى الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنِ مُؤَجَّل لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً]

(٣٠٥٣) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا اشْتَرَاهُ عَقْدًا صَحِيحًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَنَا، أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُمْ؛ لِكَوْنِهِ يُحَابِيهِمْ وَيَسْمَحُ لَهُمْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ، وَفَارَقَ الْأَجْنَبِيَّ؛ فَإِنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِ. وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالشِّرَاءِ مِنْ مُكَاتَبِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ مُرَابَحَةً، حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

وَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ غُلَامِ دُكَّانِهِ الْحُرِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: إذَا بَاعَهُ سِلْعَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً لَمْ يَجُزْ. وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>