عَنْ مَسْرُوقٍ، وَطَاوُسٍ، وَإِيَاسٍ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ جَرِيرٍ. وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ، وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالُوا: نَسَخَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ، وَبَقِيَتْ فِيمَنْ لَا يَرِثُ مِنْ الْأَقْرَبِينَ. وَلَنَا، أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ وَصِيَّةٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ لِذَلِكَ نَكِيرٌ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُخِلُّوا بِذَلِكَ، وَلَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا ظَاهِرًا، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَا تَجِبُ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَعَطِيَّةِ الْأَجَانِبِ. فَأَمَّا الْآيَةُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] (٤) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ. وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَرَى نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، إلَى أَنَّهَا نُسِخَتْ بُقُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ.
[فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا]
(٤٥٩٢) فَصْلٌ: وَتُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] . فَنُسِخَ الْوُجُوبُ، وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَرِثُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا ابْنَ آدَمَ، جَعَلْت لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكِ حِينَ أَخَذْت بِكَظْمِك، لِأُطَهِّركَ وَأُزَكِّيَكَ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ، فَلَمْ يَجُرْ، وَلَمْ يَحُفَّ، كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ مَا لَوْ أَعْطَاهَا وَهُوَ صَحِيحٌ. وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ وَرَثَةٌ مُحْتَاجُونَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] «. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ: إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . وَقَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِك، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» . وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ: إنَّك لَنْ تَدَعَ طَائِلًا، إنَّمَا تَرَكْت شَيْئًا يَسِيرًا، فَدَعْهُ لِوَرَثَتِكَ. وَعَنْهُ: أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ لَيْسَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ الْوَرَثَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهَا: لِي ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ، أَفَأُوصِي؟ فَقَالَتْ: اجْعَلْ الثَّلَاثَةَ لِلْأَرْبَعَةِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ تَرَكَ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وَصِيَّةٌ. وَقَالَ عُرْوَةُ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى صَدِيقٍ لَهُ يَعُودُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] ، وَإِنَّك إنَّمَا تَدَعُ شَيْئًا يَسِيرًا، فَدَعْهُ لِوَرَثَتِكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا تُسْتَحَبُّ لِمَالِكِهِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: إذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ. وَعَنْ عَلِيٍّ، أَرْبَعمِائَةِ دِينَارٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَا يُوصِي. وَقَالَ: مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute