للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنْتَقَضُ بِالسَّرِقَةِ، فَإِنَّ الْأَبَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَالزِّنَا: أَنَّ حَدَّ الزِّنَا خَالِصٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لَا حَقَّ لِلْآدَمِيِّ فِيهِ، وَحَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَلَا يَثْبُتُ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ، كَالْقِصَاصِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَذَفَ أُمَّ ابْنِهِ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، فَمَاتَتْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، لَمْ يَكُنْ لِابْنِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً، أَسْقَطَهُ طَارِئًا كَالْقِصَاصِ. وَإِنْ كَانَ لَهَا ابْنٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا مَاتَتْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَمْلِكُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاءَهُ كُلَّهُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا قَذْفُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ، فَيُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ لَهُ يَا لُوطِيُّ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّل قَذف رَجُلًا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ]

(٧٢١٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَالَ لَهُ: يَا لُوطِيُّ. سُئِلَ عَمَّا أَرَادَ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَهُوَ كَمَنْ قَذَفَ بِالزِّنَا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلَانِ (٧٢١٨) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ، إمَّا فَاعِلًا وَإِمَّا مَفْعُولًا، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى. وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً أَنَّهَا وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا، أَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِوَطْءِ امْرَأَةٍ فِي دُبُرِهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ.

وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَاهُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، فَأَمَّا إنْ قَذَفَهُ بِإِتْيَانِ بَهِيمَةٍ، انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهِ، فَمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى فَاعِلِهِ، أَوْجَبَ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ بِهِ، وَمَنْ لَا فَلَا. وَكُلُّ مَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِفِعْلِهِ، لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ بِهِ، كَمَا لَوْ قَذَفَ إنْسَانًا بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، أَوْ قَذَفَ امْرَأَةً بِالْمُسَاحَقَةِ، أَوْ بِالْوَطْءِ مُسْتَكْرَهَةً، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ؛ وَلِأَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَهُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: يَا كَافِرُ، يَا فَاسِقُ، يَا سَارِقُ، يَا مُنَافِقُ، يَا فَاجِرُ، يَا خَبِيثُ، يَا أَعْوَرُ، يَا أَقْطَعُ، يَا أَعْمَى ابْنَ الزَّمَنِ الْأَعْمَى الْأَعْرَجِ. فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَلَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ قَالَ يَا كَاذِبُ. يَا نَمَّامُ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِسَبِّ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَ مَنْ لَا يُوجِبُ قَذْفُهُ الْحَدَّ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي قَالَ أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ بَعْدَمَا قَالَ لَهُ يَا لُوطِيُّ]

(٧٢١٩) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ. فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ؛ فَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>