وَلَنَا، أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ، فَلَمْ يَسْرِ، كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ. وَيُفَارِقُ الِاسْتِيلَادَ؛ فَإِنَّهُ آكَدُ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَلَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا، لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ اسْتِيلَادِهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْمُدَبَّرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا، إنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ، عَتَقَ نَصِيبُهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. وَهَلْ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، إنْ كَانَ مُوسِرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ذَكَرَهُمَا الْخِرَقِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُدَبَّرِ، وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ، وَسَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُدَبَّرِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي، لَا يَسْرِي عِتْقُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ قَدْ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَوْتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إبْطَالُهُ.
وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ، وَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» . وَلِأَنَّهُ إذَا سَرَى إلَى إبْطَالِ الْمِلْكِ، الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الْوَلَاءِ، فَالْوَلَاءُ أَوْلَى، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَيَبْطُلُ بِمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ.
[فَصْلٌ إنْ دَبَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا]
(٨٦٦٢) فَصْلٌ: وَإِنْ دَبَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ عَلَى التَّدْبِيرِ، إنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَفِي بِهِ، فَهَلْ يَسْرِي الْعِتْقُ إلَيْهِ. عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إذَا مُتْنَا، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَنَصِيبُهُ حُرٌّ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ تَدْبِيرًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ، وَمَعْنَاهُ إذَا مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا، فَنَصِيبُهُ حُرٌّ؛ فَإِنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، فَيَصْرِفُ إلَى مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ، كَقَوْلِهِ: رَكِبَ النَّاسُ دَوَابَّهُمْ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ، وَأَخَذُوا رِمَاحَهُمْ. يُرِيدُ لَبِسَ كُلُّ إنْسَانٍ ثَوْبَهُ، وَرَكِبَ دَابَّتَهُ وَأَخَذَ رُمْحَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَعْتَقُوا عَبِيدَهُمْ. كَانَ مَعْنَاهُ، أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ بِمَوْتِهِمَا جَمِيعًا، وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ: يَعْتِقُ نَصِيبُهُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ بَعْضِ الصِّفَةِ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهَا. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةَ، لَعَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ، لِوُجُودِ بَعْضِ صِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّنَا قَدْ أَبْطَلْنَا هَذَا الْقَوْلَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي أَنْ لَا يَعْتِقَ شَيْءٌ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا جَمِيعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute