سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ.
[فَصْلٌ غَلَاء الصَّدَاقَ]
(٥٥٥٢) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَغْلِيَ الصَّدَاقَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً، أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً» . رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ.
وَعَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَلَا لَا تُغْلُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيُغْلِيَ بِصَدَقَةِ امْرَأَتِهِ، حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي قَلْبِهِ، وَحَتَّى يَقُولَ: كُلِّفْت لَكُمْ عِلْقَ الْقِرْبَةِ.» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَدَاقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: ثَنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشُّ. فَقُلْت: وَمَا نَشُّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةِ.» أَخْرَجَاهُ أَيْضًا.
وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، فَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَثُرَ رُبَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، فَيَتَعَرَّضُ لِلضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[فَصْلٌ كُلُّ مَا جَازَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ أَوْ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا]
(٥٥٥٣) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ، أَوْ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ، مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَمَنَافِعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا، جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْكِحُوا الْأَيَامَى، وَأَدُّوا الْعَلَائِقَ. قِيلَ: مَا الْعَلَائِقُ بَيْنَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ، وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» . وَرَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنَافِعُ الْحُرِّ لَا تَكُونُ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] . وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ يَجُوزُ الْعِوَضُ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ، فَجَازَتْ صَدَاقًا، كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَتْ مَالًا. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا وَبِهَا. ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا، فَقَدْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمَالِ فِي هَذَا، فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute