وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ» . وَلِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِهِ عُضْوٌ، فَكَانَ مُقَدَّرًا كَاَلَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي زَوَّجَهُ: «هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصَدَّقَهَا؟ قَالَ: لَا أَجِدُ. قَالَ: الْتَمِسْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَضِيَتْ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَجَازَهُ.» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى امْرَأَةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدِهِ طَعَامًا، كَانَتْ لَهُ حَلَالًا» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي الْمُسْنَدِ. وَفِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نَنْكِحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَبْضَةِ مِنْ الطَّعَامِ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] . يَدْخُلُ فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَتِهَا، فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، كَالْعَشَرَةِ وَكَالْأُجْرَةِ.
وَحَدِيثُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ، رَوَاهُ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ. وَرَوَوْهُ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ خِلَافَهُ. أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَهْرِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَقِيَاسُهُمْ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ اسْتِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْجُمْلَةِ، وَالْقَطْعُ إتْلَافُ عُضْوٍ دُونَ اسْتِبَاحَتِهِ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ وَحَدٌّ، وَهَذَا عِوَضٌ، فَقِيَاسُهُ عَلَى الْأَعْوَاضِ أَوْلَى. وَأَمَّا أَكْثَرُ الصَّدَاقِ، فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] . وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ عُمَرَ أَصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْت وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَاقِ، فَذَكَرْت هَذِهِ الْآيَةَ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: ٢٠] . قَالَ أَبُو صَالِحٍ: الْقِنْطَارُ مِائَةُ رِطْلٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا وَعَنْ مُجَاهِدٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute