وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمِزْمَارٍ، وَلَا طُنْبُورٍ، وَلَا عُودٍ مِنْ عِيدَانِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ الْأَوْتَارُ أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ لِأَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ الْأَوْتَارُ.
[فَصْلٌ أَوْصَى لَهُ بِقَوْسِ]
(٤٧٩٧) فَصْلٌ: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِقَوْسٍ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، فَإِنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً، سَوَاءٌ كَانَ قَوْسَ نَشَّابٍ، وَهُوَ الْفَارِسِيُّ، أَوْ نَبْلٍ وَهُوَ الْعَرَبِيُّ، أَوْ قَوْسٍ يَمَجْرَى، أَوْ قَوْسَ زُنْبُورٍ، أَوْ جُوخٍ، أَوْ نَدْفٍ أَوْ بُنْدُقٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَوْسٌ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْقِسِيِّ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ جَمِيعُهَا، وَكَانَ فِي لَفْظِهِ أَوْ حَالِهِ قَرِينَةٌ تُصْرَفُ إلَى أَحَدِهَا، انْصَرَفَ إلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: قَوْسًا يَنْدِفُ بِهِ، أَوْ يَتَعَيَّشُ بِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَصْرِفُهُ إلَى قَوْسِ النَّدْفِ. وَإِنْ قَالَ: يَغْزُو بِهِ. خَرَجَ مِنْهُ قَوْسُ النَّدْفِ، وَالْبُنْدُقِ. وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ نَدَّافًا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ، أَوْ بُنْدُقَانِيًّا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ بِشَيْءٍ سِوَاهُ، أَوْ يَرْمِي بِقَوْسٍ غَيْرِهِ لَا يَرْمِي بِسِوَاهُ، انْصَرَفْت الْوَصِيَّةُ إلَى الْقَوْسِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ عَادَةً؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُوصِي أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَهُ بِمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ. وَإِنْ انْتَفَتْ الْقَرَائِنُ، فَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّ لَهُ وَاحِدًا مِنْ جَمِيعِهَا بِالْقُرْعَةِ، أَوْ مَا يَخْتَارُهُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَتَنَاوَلُ قَوْسَ النَّدْفِ، وَلَا الْبُنْدُقِ، وَلَا الْعَرَبِيَّةَ فِي بَلَدٍ لَا عَادَةَ لَهُمْ بِالرَّمْيِ بِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَرَبِيَّةَ، وَيَكُونُ لَهُ وَاحِدٌ مِمَّا عَدَا هَذِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْقَوْسِ فِي الْعَادَةِ بَيْنَ غَيْرِ أَهْلِهَا حَتَّى يَصِفَهَا، فَيَقُولَ: قَوْسُ الْقُطْنِ، أَوْ النَّدْفِ، أَوْ قَوْسُ الْبُنْدُقِ. وَأَمَّا الْعَرَبِيَّةُ فَلَا يَتَعَارَفُهَا غَيْرُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعَرَبِ، فَلَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُوصِي غَالِبًا. وَيُعْطَى الْقَوْسَ مَعْمُولَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى قَوْسًا إلَّا كَذَلِكَ. وَلَا يَسْتَحِقُّ وَتَرَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهَا دُونَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُعْطَاهَا بِوَتَرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِهِ، فَكَانَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا.
[فَصْلٌ وَصَّى لَهُ بِعُودِ وَلَهُ عُودُ لَهْوٍ وَغَيْرِهِ]
(٤٧٩٨) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعُودٍ، وَلَهُ عُودُ لَهْوٍ وَغَيْرِهِ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَنْصَرِفُ إلَى عُودِ اللَّهْوِ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِعَدَمِ النَّفْعِ الْمُبَاحِ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عِيدَانُ قِسِيٍّ، أَوْ عُودٌ يَتَبَحَّرُ بِهِ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْعِيدَانِ الْمُبَاحَةِ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَانْصَرَفَتْ إلَيْهَا؛ لِعَدَمِ غَيْرِهَا، وَتَعَيُّنِهَا مَعَ إبَاحَتِهَا. وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِجَرَّةِ فِيهَا خَمْرٌ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْجَرَّةِ، وَبَطَلَتْ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ فِي الْجَرَّةِ نَفْعًا مُبَاحًا، وَالْخَمْرُ لَا نَفْعَ فِيهِ مُبَاحٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute