رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أَحَدًا مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً
وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ دُونَ صَدَاقِ الْمِثْلِ. وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، شَرَفًا وَعِلْمَا وَدِينًا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْعِوَضَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ، وَوَضْعُ الْمَرْأَةِ فِي مَنْصِبٍ عِنْدَ مَنْ يَكْفِيهَا، وَيَصُونَهَا، وَيُحْسِنُ عِشْرَتَهَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْأَبِ، مَعَ تَمَامِ شَفَقَتِهِ، وَبُلُوغِ نَظَرِهِ، أَنَّهُ لَا يَنْقُصُهَا مِنْ صَدَاقِهَا إلَّا لِتَحْصِيلِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ بِالنِّكَاحِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِتَفْوِيتِ غَيْرِهِ، وَيُفَارِقُ سَائِرَ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.
فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْعِوَضُ، فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَهَا مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، فَإِنَّ زَوَّجَ بِدُونِ ذَلِكَ، صَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمَهَا لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ، وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ بُضْعِهَا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ نَقْصُهَا مِنْهُ، فَرَجَعَتْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ تَمَامُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ]
فَصْلٌ: وَتَمَامُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ هَاهُنَا فَاسِدَةٌ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهَا شَرْعًا، فَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِمَحْرَمٍ. وَعَلَى الْوَلِيِّ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ، فَكَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهَا بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا. وَلَيْسَ الْأَبُ مِثْلَ الْوَلِيِّ، وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهَا وُجُوبُ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
[مَسْأَلَةٌ زَوَّجَ غُلَامًا غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَعْتُوهًا]
(٥٢١٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ زَوَّجَ غُلَامًا غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ مَعْتُوهًا، لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالِدُهُ، أَوْ وَصِيٌّ نَاظِرٌ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ: (٥٢١٥) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ تَزْوِيجُ الْغُلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ ": لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُهُ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute