يَعْنِي عَطِيَّتَهَا مِنْ الثُّلُثِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إذَا أَثْقَلَتْ لَا يَجُوزُ لَهَا إلَّا الثُّلُثُ. وَلَمْ يَحِدْ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، مَا لَمْ يَضْرِبْهَا الْمَخَاضُ، فَإِذَا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، فَعَطِيَّتُهَا مِنْ الثُّلُثِ
وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَخَافُ الْمَوْتَ إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْأَمْرَاضِ الْمُمْتَدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ: عَطِيَّتُهَا كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ سِتَّةَ الْأَشْهُرِ وَقْتٌ يُمْكِنُ الْوِلَادَةُ فِيهِ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ
وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهَا إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ مَعَ عَدَمِهِ، كَالصَّحِيحِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ بَقِيَتْ الْمَشِيمَةُ مَعَهَا، فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ مَعَهَا، فَهُوَ مَخُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْعُبُ خُرُوجُهُ، وَإِنْ وَضَعَتْ الْوَلَدَ، وَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ، وَحَصَلَ ثَمَّ وَرَمٌ أَوْ ضَرْبَانِ شَدِيدٌ، فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي النُّفَسَاءِ: إنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ، فَعَطِيَّتُهَا مِنْ الثُّلُثِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ أَلَمٌ لِلُزُومِهِ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ تَرَى الدَّمَ، كَانَتْ كَالْمَرِيضِ، وَحُكْمُهَا بَعْدَ السَّقْطِ كَحُكْمِهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ التَّامِّ. وَإِنْ أَسْقَطَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً، فَلَا حُكْمَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَرَضٌ أَوْ أَلَمٌ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّمِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمَخُوفٍ.
[فَصْلٌ يُحَصِّل الْخَوْف فِي مَوَاضِع خَمْسَة تَقُوم مَقَام الْمَرَض فِي تَصْرِف الْمَرِيض الْمُوصِي]
(٤٧٠٨) فَصْلٌ: وَيَحْصُلُ الْخَوْفُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، فِي مَوَاضِعَ خَمْسَةٍ، تَقُومُ مَقَامَ الْمَرَضِ؛ أَحَدُهَا، إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ، وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةً. فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ مِنْهُمَا بَعْدَ ظُهُورِهَا، فَلَيْسَتْ خَائِفَةً. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَخْتَلِطُوا، بَلْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةً، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيٌ بِالسِّهَامِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَتْ حَالَةَ خَوْفٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ مُفْتَرِقَتَيْنِ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ. وَنَحْوُهُ عَنْ مَكْحُولٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي، لَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرِيضٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute