بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَاشْتَرَاهُ الْمُضْطَرُّ بِذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أَحْوَجُ إلَى بَدَلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَالْمُكْرَهِ.
[فَصْلٌ وَجَدَ الْمُحْرِمُ مَيْتَةً وَصَيْدًا]
(٧٨١٥) فَصْلٌ: وَإِنْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ مَيْتَةً وَصَيْدًا، أَكَلَ الْمَيْتَةَ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَأْكُلُ الصَّيْدَ، وَيَفْدِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُهُ، وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ؛ لِغِنَاهُ عَنْهَا. وَلَنَا أَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَإِبَاحَةَ الصَّيْدِ مُجْتَهَدٌ فِيهَا، وَتَقْدِيمُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً، ذَبَحَ الصَّيْدَ وَأَكَلَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ عَيْنًا.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ فِي الصَّيْدِ تَحْرِيمَاتٍ ثَلَاثًا؛ تَحْرِيمَ قَتْلِهِ، وَأَكْلِهِ، وَتَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ يَكُونُ مَيْتَةً، فَقَدْ سَاوَى الْمَيْتَةَ فِي هَذَا، وَفُضِّلَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَالْأَكْلِ، وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَى هَذَا: إنَّ الشَّارِعَ إذَا أَبَاحَ لَهُ ذَبْحَهُ، لَمْ يَصِرْ مَيْتَةً. وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَيْتَةَ فَذَبَحَهُ، كَانَ ذَكِيًّا طَاهِرًا، وَلَيْسَ بِنَجَسٍ وَلَا مَيْتَةٍ؛ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ فِي حِلِّ الذَّبْحِ، وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الذَّكَاةِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَلَوْ كَانَ مَيْتَةً لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
(٧٨١٦) فَصْلٌ: وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ ذَكِيٌّ لَا حَقَّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ سِوَاهُ، فَأُبِيحَ لَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ حَلَالٌ مِنْ أَجْلِهِ.
(٧٨١٧) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا، لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْجُمْلَةَ بِقَطْعِ عُضْوٍ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ الْأَكِلَةُ. وَلَنَا أَنَّ أَكْلَهُ مِنْ نَفْسِهِ رُبَّمَا قَتَلَهُ، فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يُتَيَقَّنُ حُصُولُ الْبَقَاءِ بِأَكْلِهِ. أَمَّا قَطْعُ الْأَكِلَةِ: فَإِنَّهُ يُخَافُ الْهَلَاكُ بِذَلِكَ الْعُضْوِ، فَأُبِيحَ لَهُ إبْعَادُهُ، وَدَفْعُ ضَرَرِهِ الْمُتَوَجِّهِ مِنْهُ بِتَرْكِهِ، كَمَا أُبِيحَ قَتْلُ الصَّائِلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ لِيَأْكُلَهُ.
[فَصْلٌ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ إلَّا آدَمِيًّا مَحْقُونَ الدَّمِ]
(٧٨١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مَحْقُونَ الدَّمِ، لَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ إجْمَاعًا، وَلَا إتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْقِيَ نَفْسَهُ بِإِتْلَافِهِ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ، كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، فَذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute