أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي، فِي " الْجَامِعِ "، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: إذَا خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ، فَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلَيْنِ. قَالَ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ. وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْأَجَلُ. وَلِأَنَّهُ إنَّمَا فُرِّقَ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَيْهِ مُتَفَرِّقًا، فَإِذَا زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفْرِيقِ اُسْتُحِقَّ جُمْلَةً وَاحِدَةً. وَالثَّانِي لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا يَوْمًا بِيَوْمٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مُنَجَّمًا، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مُعَجَّلًا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي خُبْزٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، فَمَاتَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُسْتَوْفِي، كَمَا لَوْ مَاتَ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَإِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِمَوْتِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ. وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ فِي الْحَالِ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
[فَصْلٌ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ]
(٥٧٦٨) فَصْلٌ: وَالْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ، كَالْعِوَضِ فِي الصَّدَاقِ وَالْبَيْعِ، إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا، دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الْخُلْعِ، وَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي، وَلَك هَذَا الْعَبْدُ. فَفَعَلَ، ثُمَّ خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَمَا مَاتَ الْعَبْدُ: جَائِزٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَلَوْ أَعْتَقَتْ الْعَبْدَ، ثُمَّ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهَا لَهُ.
فَلَمْ يُصَحِّحْ عِتْقَهَا لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا زَالَ عَنْهُ بِجَعْلِهَا لَهُ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، وَلَمْ يُضَمِّنْهَا إيَّاهُ إذَا تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَدَخَلَ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَيُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، حَتَّى يَقْبِضَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي عِوَضِ الْبَيْعِ، وَفِي الصَّدَاقِ. وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ. فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَالْوَاجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الصَّدَاقِ، أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ سَبَبُهُ بِتَلَفِهِ، فَهَا هُنَا مِثْلُهُ.
[مَسْأَلَةٌ خَالِعهَا عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ، كَانَ خُلْعًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي: رَجُلٌ عَلِقَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ تَقُولُ: اخْلَعْنِي. قَالَ: قَدْ خَلَعْتُك. قَالَ يَتَزَوَّجُ بِهَا، وَيُجَدِّدُ نِكَاحًا جَدِيدًا، وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثِنْتَيْنِ. فَظَاهِرُ هَذَا صِحَّةُ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخُلْعِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute