للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّفِّ. فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَقَعَدَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ.

فَصْلٌ: وَلَا يَؤُمُّ الْقَاعِدُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ إمَامَ الْحَيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: ذَلِكَ لِإِمَامِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى تَقْدِيمِ عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ. فَلَا يَتَحَمَّلُ إسْقَاطَ رُكْنٍ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الزَّمِنِ، وَمَنْ لَا يُرْجَى قُدْرَتُهُ عَلَى الْقِيَامِ إمَامًا رَاتِبًا، يُفْضِي إلَى تَرْكِهِمْ الْقِيَامَ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ.

[مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ]

(١١٨٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ، ائْتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا.) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَيْثُ ابْتَدَأَ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَالِسًا، أَتَمُّوا قِيَامًا، وَلَمْ يَجْلِسُوا.

وَلِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، فَمَنْ بَدَأَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ فِي جَمِيعِهَا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَالتَّنَازُعِ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا، وَإِنْ حَدَثَ مُبِيحُ الْقَصْرِ فِي أَثْنَائِهَا. (١١٨٣) فَصْلٌ: فَإِنْ اسْتَخْلَفَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ فَحَضَرَ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي بَكْرٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: ذَلِكَ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، فَإِنَّ انْتِقَالَ الْإِمَامِ مَأْمُومًا، وَانْتِقَالَ الْمَأْمُومِينَ مِنْ إمَامٍ إلَى آخَرَ، لَا يَجُوزُ إلَّا لِعُذْرٍ يُحْوِجُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مَا يُحْوِجُ إلَى هَذَا، أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ لَهُ مِنْ الْفَضِيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ، وَعِظَمِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: مَنْ فَعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ، وَيَقْعُدُ إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ، يَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ الْإِمَامُ، وَيُصَلِّي لِلنَّاسِ قِيَامًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جَائِزًا لِأُمَّتِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ.

وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْخَلِيفَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَيْسَ هَذَا لَأَحَدٍ إلَّا لِلْخَلِيفَةِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>